فصل: كِتَابُ الْهِبَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


كِتَابُ الْهِبَةِ

وَتَرْجَمَ فِي اخْتِلاَفِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ باب الْقَضَاءِ فِي الْهِبَاتِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي الْغَطَفَانِ بْنِ طُرَيْفٍ الْمُرِّيَّ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ‏:‏ وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ، أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لاَ يَرْجِعُ فِيهَا وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا وَقَالَ‏:‏ مَالِكٌ إنَّ الْهِبَةَ إذَا تَغَيَّرَتْ عِنْد الْمَوْهُوبِ لِلثَّوَابِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، فَإِنَّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْوَاهِبَ قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبْضِهَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ صَاحِبِنَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ فِي الْهِبَةِ يُرَادُ ثَوَابُهَا أَنَّ الْوَاهِبَ عَلَى هِبَتِهِ إنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا أَنَّ لِلْوَاهِبِ الْخِيَارَ حَتَّى يَرْضَى مِنْ هِبَتِهِ، وَلَوْ أَعْطَى أَضْعَافَهَا فِي مَذْهَبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَلَوْ تَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِزِيَادَةٍ كَانَ لَهُ أَخْذُهَا وَكَانَ كَالرَّجُلِ يَبِيعُ الشَّيْءَ وَلَهُ فِيهِ الْخِيَارُ عَبْدٌ، أَوْ أَمَةٌ فَيَزِيدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَيَخْتَارُ الْبَائِعُ نُقْضَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ لَهُ نَقْضُهُ، وَإِنْ زَادَ الْعَبْدُ الْمَبِيعَ أَوْ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ فَكَثُرَتْ زِيَادَتُهُ وَمَذْهَبُكُمْ خِلاَفُ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏.‏

وَفِي اخْتِلاَفِ الْعِرَاقِيِّينَ باب الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَإِذَا وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا هِبَةً، أَوْ تَصَدَّقَتْ، أَوْ تَرَكَتْ لَهُ مِنْ مَهْرِهَا ثُمَّ قَالَتْ أَكْرَهَنِي وَجَاءَتْ عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ لاَ أَقْبَلُ بَيِّنَتَهَا وَأُمْضِي عَلَيْهَا مَا فَعَلَتْ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ أَقْبَلُ بَيِّنَتَهَا عَلَى ذَلِكَ وَأُبْطِلُ مَا صَنَعَتْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا بِشَيْءٍ، أَوْ وَضَعَتْ لَهُ مِنْ مَهْرِهَا، أَوْ مِنْ دَيْنٍ كَانَ لَهَا عَلَيْهِ فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا عَلَى ذَلِكَ وَالزَّوْجُ فِي مَوْضِعِ الْقَهْرِ لِلْمَرْأَةِ أَبْطَلْت ذَلِكَ عَنْهَا كُلُّهُ‏.‏

وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ هِبَةً وَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبَةَ لَهُ وَهِيَ دَارٌ فَبَنَاهَا بِنَاءً وَأَعْظَمَ النَّفَقَةَ، أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً صَغِيرَةً فَأَصْلَحَهَا، أَوْ صَنَعَهَا حَتَّى شَبَّتْ وَأَدْرَكَتْ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ لاَ يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ مِنْ كُلِّ هِبَةٍ زَادَتْ عِنْدَ صَاحِبِهَا خَيْرًا، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِيهَا فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبَةِ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْوَاهِبِ، أَرَأَيْت إنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ وَلَدًا أَكَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ، وَلَمْ يَهَبْهُ لَهُ، وَلَمْ يَمْلِكْهُ قَطُّ‏؟‏ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَفِي الْوَلَدِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ جَارِيَةً، أَوْ دَارًا فَزَادَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدَيْهِ، أَوْ بَنَى الدَّارَ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ وَهَبَ لِلثَّوَابِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْجَارِيَةِ أَيْ حَالَ مَا كَانَتْ زَادَتْ خَيْرًا أَوْ نَقَصَتْ كَمَا لاَ يَكُونُ لَهُ إذَا أَصْدَقَ الْمَرْأَةَ جَارِيَةٌ فَزَادَتْ فِي يَدَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهَا زَائِدَةً فَأَمَّا الدَّارُ، فَإِنَّ الْبَانِيَ إنَّمَا بَنَى مَا يَمْلِكُ فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ بِنَاءَهُ، وَلاَ يَهْدِمَهُ وَيُقَالُ لَهُ‏:‏ إنْ أَعْطَيْته قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَخَذْت نِصْفَ الدَّارِ وَالْبِنَاءِ كَمَا يَكُونُ لَك وَعَلَيْك فِي الشُّفْعَةِ يَبْنِي فِيهَا صَاحِبُهَا، وَلاَ تَرْجِعُ بِنِصْفِهَا كَمَا لَوْ أَصْدَقهَا دَارًا فَبَنَتْهَا لَمْ يَرْجِعْ بِنِصْفِهَا؛ لِأَنَّ مَبْنِيًّا أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْهُ غَيْرُ مَبْنِيٍّ، وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ وَلَدَتْ كَانَ الْوَلَدُ لِلْمَوْهُوبَةِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَادِثٌ فِي مِلْكِهِ بَائِنٍ مِنْهَا كَمُبَايَنَةِ الْخَرَاجِ وَالْخِدْمَةِ لَهَا كَمَا لَوْ وَلَدَتْ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ الْمُصَدَّقَةِ ثُمَّ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ الْوَلَدُ لِلْمَرْأَةِ وَرَجَعَ بِنِصْفِ الْجَارِيَةِ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ، وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ لِابْنِهِ وَابْنُهُ كَبِيرٌ، وَهُوَ فِي عِيَالِهِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ لاَ يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ إذَا كَانَ الْوَلَدُ فِي عِيَالِ أَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَدْرَكَ فَهَذِهِ الْهِبَةُ لَهُ جَائِزَةٌ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِابْنِهِ جَارِيَةً وَابْنُهُ فِي عِيَالِهِ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ بَالِغًا لَمْ تَكُنْ الْهِبَةُ تَامَّةً حَتَّى يَقْبِضَهَا الِابْنُ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي عِيَالِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَائِشَةَ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهم فِي الْبَالِغِينَ وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْأَبَ يَحُوزُ لِوَلَدِهِ مَا كَانُوا صِغَارًا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحُوزُ لَهُمْ إلَّا فِي حَالِ الصِّغَرِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَكَذَا كُلُّ هِبَةٍ وَنِحْلَةٍ وَصَدَقَةٍ غَيْرِ مُحَرَّمَةٍ فَهِيَ كُلُّهَا مِنْ الْعَطَايَا الَّتِي لاَ يُؤْخَذُ عَلَيْهَا عِوَضٌ، وَلاَ تَتِمُّ إلَّا بِقَبْضِ الْمُعْطِي‏.‏

وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ دَارًا لِرَجُلَيْنِ، أَوْ مَتَاعًا وَذَلِكَ الْمَتَاعُ مِمَّا يُقَسَّمُ فَقَبَضَاهُ جَمِيعًا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ لاَ تَجُوزُ تِلْكَ الْهِبَةُ إلَّا أَنْ يُقَسَّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ الْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَبِهَذَا يَأْخُذُ، وَإِذَا وَهَبَ اثْنَانِ لِوَاحِدٍ وَقَبَضَ فَهُوَ جَائِزٌ وَقَالَ‏:‏ أَبُو يُوسُفَ هُمَا سَوَاءٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِرَجُلَيْنِ بَعْضَ دَارٍ لاَ تُقَسَّمُ، أَوْ طَعَامًا، أَوْ ثِيَابًا أَوْ عَبْدًا لاَ تَنْقَسِمُ فَقَبَضَا جَمِيعًا الْهِبَةَ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ كَمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ اثْنَانِ دَارًا بَيْنَهُمَا تَنْقَسِمُ، أَوْ لاَ تَنْقَسِمُ أَوْ عَبْدُ الرَّجُلِ وَقَبَضَ جَازَتْ الْهِبَةُ، وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ لِرَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لِصَاحِبِهِ، وَلَمْ يُقَسِّمْهُ لَهُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ الْهِبَةُ فِي هَذَا بَاطِلَةٌ، وَلاَ تَجُوزُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وَمِنْ حُجَّتِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لاَ تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْسُومَةً مَعْلُومَةً مَقْبُوضَةً بَلَغَنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ رحمه الله أَنَّهُ نَحَلَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ نَخْلٍ لَهُ بِالْعَالِيَةِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِعَائِشَةَ إنَّك لَمْ تَكُونِي قَبَضْتِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْوَارِثِ فَصَارَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ يَقُولُ لاَ تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ إذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ نَصِيبَهُ فَهَذَا قَبْضٌ مِنْهُ لِلْهِبَةِ وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ وَهَذِهِ جَائِزَةٌ، وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلاَنِ دَارًا لِرَجُلٍ فَقَبَضَهَا فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلاَ تَفْسُدُ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ لِاثْنَيْنِ وَبِهِ يَأْخُذُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ نَصِيبَهُ فَقَبَضَ الْهِبَةَ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ‏.‏

وَالْقَبْضُ أَنْ تَكُونَ كَانَتْ فِي يَدَيْ الْمَوْهُوبَةِ لَهُ، وَلاَ وَكِيلَ مَعَهُ فِيهَا، أَوْ يُسَلِّمُهَا رَبَّهَا وَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَكُونَ لاَ حَائِلَ دُونَهَا دُونَهَا هُوَ، وَلاَ وَكِيلَ لَهُ، فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا كَانَ قَبْضًا، وَالْقَبْضُ فِي الْهِبَاتِ كَالْقَبْضِ فِي الْبُيُوعِ مَا كَانَ قَبْضًا فِي الْبَيْعِ كَانَ قَبْضًا فِي الْهِبَةِ وَمَا لَمْ يَكُنْ قَبْضًا فِي الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا فِي الْهِبَةِ، وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ الْهِبَةَ وَقَبَضَهَا دَارًا، أَوْ أَرْضًا ثُمَّ عَوَّضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهَا عِوَضًا وَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَانَ يَقُولُ‏:‏ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلاَ تَكُونُ فِيهِ شُفْعَةٌ، وَبِهِ يَأْخُذُ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَةِ الْعِوَضِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ الْوَاهِبُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْعِوَضِ فِي قَوْلِهِمَا جَمِيعًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ شِقْصًا مِنْ دَارٍ فَقَبَضَهُ ثُمَّ عَوَّضَهُ الْمَوْهُوبَةُ لَهُ شَيْئًا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سُئِلَ الْوَاهِبُ فَإِنْ قَالَ‏:‏ وَهَبْتهَا لِلثَّوَابِ كَانَ فِيهَا شُفْعَةٌ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ وَهَبْتهَا لِغَيْرِ ثَوَابٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شُفْعَةٌ وَكَانَتْ الْمُكَافَأَةُ كَابْتِدَاءِ الْهِبَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ لِلْوَاهِبِ الثَّوَابُ إذَا قَالَ‏:‏ أَرَدْته فَأَمَّا مَنْ قَالَ‏:‏ لاَ ثَوَابَ لِلْوَاهِبِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْهِبَةِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي شَيْءٍ وَهَبَهُ، وَلاَ الثَّوَابُ مِنْهُ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ، وَإِذَا وَهَبَ وَاشْتَرَطَ الثَّوَابَ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ مِنْ قَبْلِ أَنَّهُ اشْتَرَطَ عِوَضًا مَجْهُولاً، وَإِذَا وَهَبَ لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ وَهَبَهُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ هِبَةً فِي مَرَضِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمَوْهُوبَةُ لَهُ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ الْهِبَةُ فِي هَذَا بَاطِلٌ لاَ تَجُوزُ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَلاَ يَكُونُ لَهُ وَصِيَّةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي ذِكْرِ وَصِيَّةٍ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ هِيَ جَائِزَةٌ مِنْ الثُّلُثِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ الْهِبَةَ فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمَوْهُوبَةَ لَهُ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْهُوبَةِ لَهُ شَيْءٌ وَكَانَتْ الْهِبَةُ لِلْوَرَثَةِ‏.‏

الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ‏:‏ لاَ تَجُوزُ الصَّدَقَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً‏.‏

الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ الصَّدَقَةُ إذَا عُلِمَتْ جَازَتْ الْهِبَةُ لاَ تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْخُذُ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّدَقَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ‏.‏ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ إذَا قَبَضَ مِنْهَا عِوَضًا، قَلَّ، أَوْ كَثُرَ‏.‏

باب فِي الْعُمْرَى مِنْ كِتَابِ اخْتِلاَفِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رضي الله عنهما

قَالَ الرَّبِيعُ سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَمِّي أَعْمَرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَقَالَ هِيَ لِلَّذِي يُعْطَاهَا لاَ تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا فَقُلْت‏:‏ مَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ مِنْ حَدِيثِ النَّاسِ وَحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي يُعْطَاهَا لاَ تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا»؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَيَأْخُذُ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ وَأَكَابِرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ رَوَى هَذَا مَعَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نُخَالِفُ هَذَا فَقَالَ‏:‏ تُخَالِفُونَهُ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ فَقُلْت‏:‏ إنَّ حُجَّتَنَا فِيهِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولاً الدِّمَشْقِيَّ يَسْأَلُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ الْعُمْرَى وَمَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا فَقَالَ‏:‏ لَهُ الْقَاسِمُ مَا أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا وَهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَفِيمَا أَعْطَوْا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ مَا أَجَابَهُ الْقَاسِمُ فِي الْعُمْرَى بِشَيْءٍ وَمَا أَخْبَرَهُ إلَّا أَنَّ النَّاسَ عَلَى شُرُوطِهِمْ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ الْعُمْرَى مِنْ الْمَالِ وَالشَّرْطُ فِيهَا جَائِزٌ، فَقَدْ يَشْتَرِطُ النَّاسُ فِي أَمْوَالِهِمْ شُرُوطًا لاَ تَجُوزُ لَهُمْ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَمَا هِيَ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْعَبْدَ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ وَالْوَلاَءُ لِلْبَائِعِ فَيَعْتِقُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَالْوَلاَءُ لِلْمُعْتِقِ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ السُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ هَذَا الشَّرْطِ قُلْنَا وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ الشَّرْطِ فِي الْعُمْرَى فَلِمَ أَخَذْتُمْ بِالسُّنَّةِ مَرَّةً وَتَرَكْتُمُوهَا مَعَ أَنَّ قَوْلَ الْقَاسِمِ رحمه الله لَوْ كَانَ قَصَدَ بِهِ قَصْدَ الْعُمْرَى فَقَالَ‏:‏ إنَّهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِيهَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مَا يُرَدُّ بِهِ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَلِمَ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ نَحْنُ لاَ نَعْلَمُ أَنَّ الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ هَذَا إلَّا بِخَبَرِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ عَلِمْنَا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُمْرَى بِخَبَرِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا قَبِلْنَا خَبَرَ الصَّادِقِينَ فَمَنْ رَوَى هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْجَحُ مِمَّا رَوَى هَذَا عَنْ الْقَاسِمِ لاَ يَشُكُّ عَالِمٌ أَنَّ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ‏:‏ بِهِ مِمَّا قَالَهُ نَاسٌ بَعْدَهُ قَدْ يُمْكِنُ فِيهِمْ أَنْ لاَ يَكُونُوا سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ بَلَغَهُمْ عَنْهُ شَيْءٌ وَأَنَّهُمْ أُنَاسٌ لاَ نَعْرِفُهُمْ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ لاَ يَقُولُ الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ النَّاسُ إلَّا لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ يَجْهَلُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةً، وَلاَ يَجْتَمِعُونَ أَبَدًا مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ، وَلاَ يَجْتَمِعُونَ إلَّا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ، فَقِيلَ‏:‏ لَهُ قَدْ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلاً كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ لِقَوْمٍ فَقَالَ‏:‏ لِأَهْلِهَا شَأْنُكُمْ بِهَا فَرَأَى النَّاسُ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهَا ثَلاَثٌ، وَإِذَا قِيلَ لَكُمْ لِمَ لاَ تَقُولُونَ قَوْلَ الْقَاسِمِ وَالنَّاسِ إنَّهَا تَطْلِيقَةٌ‏؟‏ قُلْتُمْ لاَ نَدْرِي مِنْ النَّاسُ الَّذِينَ يَرْوِي هَذَا عَنْهُمْ الْقَاسِمُ فَلَئِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ الْقَاسِمِ رَأَى النَّاسُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ فِي رَأْيِ أَنْفُسِكُمْ لَهُوَ عَنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ أَبْعَدَ وَلَئِنْ كَانَ حُجَّةً لَقَدْ أَخْطَأْتُمْ بِخِلاَفِكُمْ إيَّاهُ بِرَأْيِكُمْ‏.‏

وَإِنَّا لَنَحْفَظُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعُمْرَى مِثْلَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَحُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ‏:‏ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ‏:‏ إنِّي وَهَبْت لِابْنِي هَذَا نَاقَةً فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّهَا تَنَاتَجَتْ إبِلاً فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ هِيَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ فَقَالَ‏:‏ إنِّي تَصَدَّقْت عَلَيْهِ بِهَا قَالَ‏:‏ ذَلِكَ أَبْعَدُ لَك مِنْهَا‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ أَضْنَتْ يَعْنِي كَبُرَتْ وَاضْطَرَبَتْ‏.‏

أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ طَارِقًا قَضَى بِالْمَدِينَةِ بِالْعُمْرَى عَنْ قَوْلِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ حُجْرٍ الْمَدَرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْعُمْرَى لِلْوَارِثِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لاَ تَعْمُرُوا، وَلاَ تَرْقُبُوا فَمَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا، أَوْ أَرَقَبَهُ فَهُوَ سَبِيلُ الْمِيرَاثِ»‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ حَضَرْت شُرَيْحًا قَضَى لِأَعْمَى بِالْعُمْرَى فَقَالَ‏:‏ لَهُ الْأَعْمَى يَا أَبَا أُمَيَّةَ بِمَ قَضَيْت لِي‏؟‏ فَقَالَ شُرَيْحٌ لَسْت أَنَا قَضَيْت لَك، وَلَكِنْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى لَك مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ‏:‏ مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا حَيَاتَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَتَتْرُكُونَ مَا وَصَفْتُمْ مِنْ الْعُمْرَى مَعَ ثُبُوتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عُمَرَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهَكَذَا عِنْدَكُمْ عَمَلٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَوَهُّمٍ فِي قَوْلِ الْقَاسِمِ وَأَنْتُمْ تَجِدُونَ فِي قَوْلِ الْقَاسِمِ يَعْنِي فِي رَجُلٍ قَالَ لِأَمَةِ قَوْمٍ شَأْنَكُمْ بِهَا فَرَأَى النَّاسَ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ ثُمَّ تُخَالِفُونَهُ بِرَأْيِكُمْ وَمَا رَوَى الْقَاسِمُ عَنْ النَّاسِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِمَّا يُنْسَبُ لِلْأُمِّ فِي الْعُمْرَى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهُوَ يُرْوَى عَنْ رَبِيعَةَ إذْ تَرَكَ حَدِيثَ الْعُمْرَى أَنَّهُ يَحْتَجُّ بِأَنَّ الزَّمَانَ قَدْ طَالَ وَأَنَّ الرِّوَايَةَ يُمْكِنُ فِيهَا الْغَلَطُ، فَإِذَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَهِيَ لِلَّذِي يُعْطَاهَا لاَ تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَى؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ حُجْرٍ الْمَدَرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ «الْعُمْرَى لِلْوَارِثِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ‏:‏ لَهُ إنِّي أَعْطَيْت بَعْضَ بَنِيَّ نَاقَةً حَيَاتَهُ قَالَ‏:‏ عُمَرُ، وَفِي الْحَدِيثِ وَإِنَّهَا تَنَاتَجَتْ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ فِي حَدِيثِهِ وَإِنَّهَا أَضْنَتْ وَاضْطَرَبَتْ فَقَالَ‏:‏ هِيَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِنِّي تَصَدَّقْتُ بِهَا عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَك مِنْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى بِالْعُمْرَى لِأَعْمَى فَقَالَ‏:‏ بِمَ قَضَيْت لِي يَا أَبَا أُمَيَّةَ‏؟‏ فَقَالَ مَا أَنَا قَضَيْت لَك، وَلَكِنْ قَضَى لَك مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَضَى مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا حَيَاتَهُ فَهُوَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ‏.‏ قَالَ سُفْيَانُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَتَرَك هَذَا، وَهُوَ يَرْوِيه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ وُجُوهٍ ثَابِتَةٍ وَزَيْدُ بْنِ ثَابِتٍ وَيُفْتِي بِهِ جَابِرٌ بِالْمَدِينَةِ وَيُفْتِي بِهِ ابْنُ عُمَرَ وَيُفْتِي بِهِ عَوَامُّ أَهْلِ الْبُلْدَانِ لاَ أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ بِأَنْ قَالَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولاً يَسْأَلُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ الْعُمْرَى وَمَا يَقُولُهُ النَّاسُ فِيهَا فَقَالَ الْقَاسِمُ مَا أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَفِيمَا أَعْطَوْا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْقَاسِمُ يَرَحمه لَمْ يُجِبْهُ فِي الْعُمْرَى بِشَيْءٍ إنَّمَا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ إنَّمَا أَدْرَكَ النَّاسَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ‏:‏ إنَّ الْعُمْرَى مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ الَّتِي أَدْرَكَ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَيَجُوزُ أَنْ لاَ يَكُونَ الْقَاسِمُ سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَلَوْ سَمِعَهُ مَا خَالَفَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَإِذَا قِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ‏:‏ لَوْ كَانَ الْقَاسِمُ قَالَ هَذَا فِي الْعُمْرَى أَيْضًا فَعَارَضَك مُعَارِضٌ بِأَنْ يَقُولَ‏:‏ أَخَافُ أَنْ يَغْلَطَ عَلَى الْقَاسِمِ مَنْ رَوَى هَذَا عَنْهُ إذَا كَانَ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا وَصَفْنَا يُرْوَى مِنْ وُجُوهٍ يُسْنِدُونَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُتَّهَمَ أَهْلُ الْحِفْظِ بِالْغَلَطِ فَقِيلَ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُتَّهَمَ مَنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا قَالَ‏:‏ لاَ يَجُوزُ قُلْنَا مَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لاَزِمًا لِأَهْلِ دَيْنِ اللَّهِ، أَوْ مَا قَالَ الْقَاسِمُ أَدْرَكْت النَّاسَ وَلَسْنَا نَعْرِفُ النَّاسَ الَّذِينَ حُكِيَ هَذَا عَنْهُمْ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ لاَ يَجُوزُ عَلَى مِثْلِ الْقَاسِمِ فِي عِلْمِهِ أَنْ يَقُولَ أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا وَالنَّاسُ الَّذِينَ أَدْرَكَ أَئِمَّةٌ يَلْزَمُهُ قَوْلُهُمْ قِيلَ لَهُ‏:‏ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ رَجُلاً كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ لِقَوْمٍ فَقَالَ‏:‏ لِأَهْلِهَا شَأْنَكُمْ بِهَا فَرَأَى النَّاسَ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ، وَهُوَ يُفْتِي بِرَأْيِ نَفْسِهِ أَنَّهَا ثَلاَثُ تَطْلِيقَاتٍ فَإِنْ قَالَ‏:‏ فِي هَذِهِ لاَ أَعْرِفُ النَّاسَ الَّذِينَ رَوَى الْقَاسِمُ هَذَا عَنْهُمْ جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ لاَ أَعْرِفُ النَّاسَ الَّذِينَ رَوَى هَذَا عَنْهُمْ فِي الشُّرُوطِ، وَإِنْ كَانَ يَقُولُ إنَّ الْقَاسِمَ لاَ يَقُولُ النَّاسَ إلَّا الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ يَلْزَمُهُ قَوْلُهُمْ، فَقَدْ تَرَكَ قَوْلَ الْقَاسِمِ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَعَابَ عَلَى غَيْرِهِ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ‏.‏

كِتَابُ اللُّقَطَةِ الصَّغِيرَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فِي اللُّقَطَةِ مِثْلُ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَاءٌ «وَقَالَ‏:‏ فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ إذَا وَجَدْتَهَا فِي مَوْضِعِ مَهْلَكَةٍ فَهِيَ لَك فَكُلْهَا، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا فَاغْرَمْهَا لَهُ» «وَقَالَ‏:‏ فِي الْمَالِ يُعَرِّفُهُ سَنَةً ثُمَّ يَأْكُلُهُ إنْ شَاءَ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ غَرِمَهُ لَهُ»، وَقَالَ‏:‏ «يُعَرِّفُهَا سَنَةً ثُمَّ يَأْكُلُهَا مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا إنْ شَاءَ» إلَّا أَنِّي لاَ أَرَى لَهُ أَنْ يَخْلِطَهَا بِمَالِهِ، وَلاَ يَأْكُلَهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى عَدَدِهَا وَوَزْنِهَا وَظَرْفِهَا وَعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهَا غَرِمَهَا لَهُ، وَإِنْ مَاتَ كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ فِي الشَّاةِ يَجِدُهَا بِالْمَهْلَكَةِ تَعْرِيفٌ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْكُلَهَا فَهِيَ لَهُ وَمَتَى لَقِيَ صَاحِبَهَا غَرِمَهَا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ، وَلاَ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ وَالْمَالِ؛ لِأَنَّهُمَا لاَ يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، وَلاَ يَعِيشَانِ وَالشَّاةُ يَأْخُذُهَا مَنْ أَرَادَهَا وَتُتْلَفُ لاَ تُمْتَنَعُ مِنْ السَّبْعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَنْ يَمْنَعُهَا وَالْبَعِيرُ وَالْبَقَرَةُ يَرِدَانِ الْمِيَاهَ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ وَيَعِيشَانِ أَكْثَرَ عُمْرِهِمَا بِلاَ رَاعٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْرِضَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْبَقَرُ قِيَاسًا عَلَى الْإِبِلِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ وَجَدَ رَجُلٌ شَاةً ضَالَّةً فِي الصَّحْرَاءِ فَأَكَلَهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا قَالَ‏:‏ يَغْرَمُهَا خِلاَفُ مَالِكٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ ابْنُ عُمَرَ لَعَلَّهُ أَنْ لاَ يَكُونَ سَمِعَ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللُّقَطَةِ، وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ لاَ يَأْكُلُهَا كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ انْبَغَى أَنْ يُفْتِيَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ الْآخِذُ لَهَا ثِقَةً أَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهَا وَأَشْهَدَ شُهُودًا عَلَى عَدَدِهَا وَعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا أَمَرَهُ أَنْ يُوقِفَهَا فِي يَدَيْهِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ رَبُّهَا فَيَأْخُذَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً فِي مَالِهِ وَأَمَانَتِهِ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدَيْهِ إلَى مَنْ يَعِفُّ عَنْ الْأَمْوَالِ لِيَأْتِيَ رَبُّهَا وَأَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهَا لاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَرْكُ لُقَطَةٍ وَجَدَهَا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَمَانَةِ، وَلَوْ وَجَدَهَا فَأَخَذَهَا ثُمَّ أَرَادَ تَرْكَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، وَهَذَا فِي كُلِّ مَا سِوَى الْمَاشِيَةِ فَأَمَّا الْمَاشِيَةُ فَإِنَّهَا تَخْرِقُ بِأَنْفُسِهَا فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لَهَا، وَإِذَا وَجَدَ رَجُلٌ بَعِيرًا فَأَرَادَ رَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَلاَ بَأْسَ بِأَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَأْخُذُهُ لِيَأْكُلَهُ فَلاَ، وَهُوَ ظَالِمٌ، وَإِنْ كَانَ لِلسُّلْطَانِ حِمًى، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِ الضَّوَالِّ مُؤْنَةٌ تَلْزَمُهُ فِي رِقَابِ الضَّوَالِّ صَنَعَ كَمَا صَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه تَرَكَهَا فِي الْحِمَى حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا، وَمَا تَنَاتَجَتْ فَهُوَ لِمَالِكِهَا وَيُشْهِدُ عَلَى نِتَاجِهَا كَمَا يُشْهِدُ عَلَى الْأُمِّ حِينَ يَجِدُهَا وَيَوْسُمُ نِتَاجَهَا وَيَوْسُمُ أُمَّهَاتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ حِمًى وَكَانَ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهَا فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ تُعَلَّقُ فِي رِقَابِهَا غُرْمًا رَأَيْت أَنْ يَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إلَّا فِي كُلِّ مَا عَرَفَ أَنَّ صَاحِبَهُ قَرِيبٌ بِأَنْ يَعْرِفَ بَعِيرَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيَحْبِسُهُ، أَوْ يَعْرِفَ وَسْمَ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ حَبَسَهَا لَهُمْ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ‏.‏

اللُّقَطَةُ الْكَبِيرَةُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ إذَا الْتَقَطَ الرَّجُلُ اللُّقَطَةَ مِمَّا لاَ رُوحَ لَهُ مَا يُحْمَلُ وَيَحُولُ، فَإِذَا الْتَقَطَ الرَّجُلُ لُقَطَةً، قَلَّتْ، أَوْ كَثُرْت، عَرَّفَهَا سَنَةً وَيُعَرِّفُهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَمَوَاضِعِ الْعَامَّةِ وَيَكُونُ أَكْثَرُ تَعْرِيفِهِ إيَّاهَا فِي الْجَمَاعَةِ الَّتِي أَصَابَهَا فِيهَا وَيُعَرِّفُ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوَزْنَهَا وَحِلْيَتَهَا وَيَكْتُبُ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَهِيَ لَهُ بَعْدَ سَنَةٍ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهَا مَتَى جَاءَ غَرِمَهَا، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَهِيَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ السَّنَةِ، وَقَدْ اسْتَهْلَكَهَا وَالْمُلْتَقِطُ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ فَهُوَ غَرِيمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ فَإِنْ جَاءَ وَسِلْعَتُهُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَهِيَ لَهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ وَأُفْتِي الْمُلْتَقِطَ إذَا عَرَفَ رَجُلٌ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْعَدَدَ وَالْوَزْنَ وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ بَاطِلاً أَنْ يُعْطِيَهُ، وَلاَ أُجْبِرُهُ فِي الْحُكْمِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَيْهَا كَمَا تَقُومُ عَلَى الْحُقُوقِ فَإِنْ ادَّعَاهَا وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ، أَوْ ثَلاَثَةٌ فَسَوَاءٌ لاَ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا إلَيْهِمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُونَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ الصِّفَةَ بِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ وَصَفَهَا وَيُصِيبُ الصِّفَةَ بِأَنَّ الْمُلْتَقَطَةَ عَنْهُ قَدْ وَصَفَهَا فَلَيْسَ لِإِصَابَتِهِ الصِّفَةَ مَعْنًى يَسْتَحِقُّ بِهِ أَحَدٌ شَيْئًا فِي الْحُكْمِ‏.‏

وَإِنَّمَا قَوْلُهُ أَعْرِفُ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ تُؤَدِّيَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا مَعَ مَا تُؤَدِّي مِنْهَا وَلِنَعْلَمَ إذَا وَضَعْتهَا فِي مَالِكٍ أَنَّهَا اللُّقَطَةُ دُونَ مَالِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِيَسْتَدِلَّ عَلَى صِدْقِ الْمُعْتَرِفِ، وَهَذَا الْأَظْهَرُ إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» فَهَذَا مُدَّعٍ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ عَشَرَةً، أَوْ أَكْثَرَ وَصَفُوهَا كُلُّهُمْ فَأَصَابُوا صِفَتَهَا أَلَنَا أَنْ نُعْطِيَهُمْ إيَّاهَا يَكُونُونَ شُرَكَاءَ فِيهَا، وَلَوْ كَانُوا أَلْفًا، أَوْ أَلْفَيْنِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّهُمْ كَاذِبٌ إلَّا وَاحِدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَعَلَّ الْوَاحِدَ يَكُونُ كَاذِبًا لَيْسَ يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ بِالصِّفَةِ شَيْئًا، وَلاَ تَحْتَاجُ إذَا الْتَقَطْت أَنْ تَأْتِيَ بِهَا إمَامًا، وَلاَ قَاضِيًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا أَرَادَ الْمُلْتَقِطُ أَنْ يَبْرَأَ مِنْ ضَمَانِ اللُّقَطَةِ وَيَدْفَعَهَا إلَى مَنْ اعْتَرَفَهَا فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ بِأَمْرِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ دَفَعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ حَاكِمٍ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ ضَمِنَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا كَانَ فِي يَدَيْ رَجُلٍ الْعَبْدُ الْآبِقُ أَوْ الضَّالَّةُ مِنْ الضَّوَالِّ فَجَاءَ سَيِّدُهُ فَمِثْلُ اللُّقَطَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا، فَإِذَا دَفَعَهُ بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا عِنْدَهُ كَانَ الِاحْتِيَاطُ لَهُ أَنْ لاَ يَدْفَعَهُ إلَّا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ لِئَلَّا يُقِيمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بَيِّنَةً فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عِنْدَهُ، فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ غَيْرَ عَادِلَةٍ وَيُقِيمُ آخَرُ بَيِّنَةً عَادِلَةً فَيَكُونُ أَوْلَى، وَقَدْ تَمُوتُ الْبَيِّنَةُ وَيَدَّعِي هُوَ أَنَّهُ دَفَعَهُ بِبَيِّنَةٍ فَلاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي قَبَضَ مِنْهُ إذَا أَقَرَّ لَهُ فَيَضْمَنُهُ الْقَاضِي لِلْمُسْتَحِقِّ الْآخَرِ رَجَعَ هَذَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ أَنَّهُ لَهُ فَلاَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا عَلَى اللُّقَطَةِ، أَوْ ضَالَّةٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَأَخَذَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً؛ لِأَنَّ هَذَا مَالٌ، وَإِذَا أَقَامَ الرَّجُلُ بِمَكَّةَ بَيِّنَةً عَلَى عَبْدٍ وَوَصَفَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَبْدَ وَشَهِدُوا أَنَّ هَذِهِ صِفَةُ عَبْدِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ، وَلَمْ يَهَبْ، أَوْ لَمْ نَعْلَمْهُ بَاعَ، وَلاَ وَهَبَ وَحَلَفَ رَبُّ الْعَبْدِ كَتَبَ الْحَاكِمُ بَيِّنَتَهُ إلَى قَاضِي بَلَدٍ غَيْرِ مَكَّةَ فَوَافَقَتْ الصِّفَةُ الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ بِالصِّفَةِ، وَلاَ يَقْبَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شُهُودٌ يَقْدُمُونَ عَلَيْهِ فَيَشْهَدُونَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، وَلَكِنْ إنْ شَاءَ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَبْدَ ضَالًّا فَيَبِيعُهُ فِيمَنْ يَزِيدُ وَيَأْمُرُ مَنْ يَشْتَرِيهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِمَكَّةَ بِعَيْنِهِ أَبْرَأَ الْقَاضِي الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ الثَّمَنِ بِإِبْرَاءِ رَبِّ الْعَبْدِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الثَّمَنَ إنْ كَانَ قَبَضَهُ مِنْهُ، وَقَدْ قِيلَ‏:‏ يَخْتِمُ فِي رَقَبَةِ هَذَا الْعَبْدِ وَيَضْمَنُهُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ بِالصِّفَةِ فَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ فَهُوَ لَهُ وَيَفْسَخُ عَنْهُ الضَّمَانَ، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ عَلَيْهِ الشُّهُودُ رُدَّ، وَإِنْ هَلَكَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ ضَامِنًا، وَهَذَا يَدْخُلُهُ أَنْ يُفْلِسَ الَّذِي ضَمِنَ وَيَسْتَحِقُّهُ رَبُّهُ فَيَكُونُ الْقَاضِي أَتْلَفَهُ وَيَدْخُلُهُ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ رَبُّهُ، وَهُوَ غَائِبٌ فَإِنْ قَضَى عَلَى الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ بِإِجَازَتِهِ فِي غِيبَتِهِ قَضَى عَلَيْهِ بِأَجْرٍ مَا لَمْ يُغْصَبْ، وَلَمْ يُسْتَأْجَرْ، وَإِنْ أَبْطَلَ عَنْهُ كَانَ قَدْ مَنَعَ هَذَا حَقَّهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ لَهُ وَيَدْخُلُهُ أَنْ يَكُونَ جَارِيَةً فَارِهَةً لَعَلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ فَيُخَلِّي بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَجُلٍ يَغِيبُ عَلَيْهَا، وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اعْتَرَفَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ عَلَيْهَا بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ قَضَى لَهُ الْقَاضِي بِهَا فَإِنْ ادَّعَى الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ غَائِبٍ لَمْ يَحْبِسْ الدَّابَّةَ عَنْ الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهَا، وَلَمْ يَبْعَثْ بِهَا إلَى الْبَلَدِ الَّذِي فِيهَا الْبَيْعُ كَانَ الْبَلَدُ قَرِيبًا، أَوْ بَعِيدًا، وَلاَ أَعْمِدُ إلَى مَالِ رَجُلٍ فَأَبْعَثُ بِهِ إلَى الْبَلَدِ لَعَلَّهُ يُتْلَفُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ بِدَعْوَى إنْسَانٍ لاَ أَدْرِي كَذَبَ أَمْ صَدَقَ، وَلَوْ عَلِمْت أَنَّهُ صَدَقَ مَا كَانَ لِي أَنْ أُخْرِجَهَا مِنْ يَدَيْ مَالِكهَا نَظَرًا لِهَذَا أَنْ لاَ يُضَيِّعَ حَقَّهُ عَلَى الْمُغْتَصِبِ لاَ تُمْنَعُ الْحُقُوقُ بِالظُّنُونِ، وَلاَ تُمْلَكُ بِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ الَّذِي اسْتَحَقَّ الدَّابَّةَ مُسَافِرًا أَوْ غَيْرَ مُسَافِرٍ، وَلاَ يُمْنَعُ مِنْهَا، وَلاَ تُنْزَعُ مِنْ يَدَيْهِ إلَّا أَنْ يَطِيبَ نَفْسًا عَنْهَا، وَلَوْ أُعْطِيَ قِيمَتَهَا أَضْعَافًا؛ لِأَنَّا لاَ نُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِ سِلْعَتِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيَأْكُلُ اللُّقَطَةَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَمَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَمَنْ لاَ تَحِلُّ لَهُ، فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، وَهُوَ أَيْسَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ كَأَيْسَرِهِمْ وَجَدَ صُرَّةً فِيهَا ثَمَانُونَ دِينَارًا أَنْ يَأْكُلَهَا أَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رحمه الله أَنَّهُ وَجَدَ دِينَارًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ فَلَمْ يَعْتَرِفْ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَغْرَمَهُ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه مِمَّنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صُلْبِيَّةِ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَدْ رَوَى «عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِذْنَ بِأَكْلِ اللُّقَطَةِ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا سَنَةً» عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعِيَاضُ بْنُ حَمَّادٍ الْمُجَاشِعِيُّ رضي الله عنهم‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْقَلِيلُ مِنْ اللُّقَطَةِ وَالْكَثِيرُ سَوَاءٌ لاَ يَجُوزُ أَكْلُهُ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ فَأَمَّا أَنْ آمُرَ الْمُلْتَقِطَ وَإِنْ كَانَ أَمِينًا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا فَمَا أَنْصَفْت الْمُلْتَقِطَ وَلاَ الْمُلْتَقَطَ عَنْهُ إنْ فَعَلْت، إنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ مَالاً مِنْ مَالِ الْمُلْتَقِطِ بِحَالٍ فَلَمْ آمُرْهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَأَنَا لاَ آمُرُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَلاَ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ، وَإِنْ أَمَرْته بِالصَّدَقَةِ فَكَيْفَ أُضَمِّنُهُ مَا آمُرُهُ بِإِتْلاَفِهِ‏؟‏، وَإِنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ مَالاً مِنْ مَالِ الْمُلْتَقَطِ عَنْهُ فَكَيْفَ آمُرُ الْمُلْتَقِطَ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ‏؟‏ ثُمَّ لَعَلَّهُ يَجِدُهُ رَبُّ الْمَالِ مُفْلِسًا فَأَكُونُ قَدْ أَتْوَيْتُ مَالَهُ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا مُلْتَقِطُهَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فَكَانَ لِرَبِّهَا أَنْ يَأْخُذَهَا بِعَيْنِهَا فَإِنْ نَقَصَتْ فِي أَيْدِي الْمَسَاكِينِ، أَوْ تَلِفَتْ رَجَعَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ إنْ شَاءَ بِالتَّلَفِ وَالنُّقْصَانِ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ رَجَعَ بِهَا إنْ شَاءَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا الْتَقَطَ الْعَبْدُ اللُّقَطَةَ فَعَلِمَ السَّيِّدُ بِاللُّقَطَةِ فَأَقَرَّهَا بِيَدِهِ فَالسَّيِّدُ ضَامِنٌ لَهَا فِي مَالِهِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ إذَا اسْتَهْلَكَهَا الْعَبْدُ قَبْلَ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا دُونَ مَالِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ اللُّقَطَةَ عُدْوَانٌ، إنَّمَا يَأْخُذُ اللُّقَطَةَ مَنْ لَهُ ذِمَّةٌ يَرْجِعُ بِهَا عَلَيْهِ وَمَنْ لَهُ مَالٌ يَمْلِكُهُ وَالْعَبْدُ لاَ مَالَ لَهُ، وَلاَ ذِمَّةَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ كُلُّهُمْ فِي مَعْنَى الْعَبْدِ إلَّا أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لاَ تُبَاعُ وَيَكُونُ فِي ذِمَّتِهَا إنْ لَمْ يَعْلَمْهُ السَّيِّدُ، وَفِي مَالِ الْمُوَلِّي إنْ عَلِمَ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي إنْ عَلِمَ السَّيِّدُ أَنَّ عَبْدَهُ الْتَقَطَهَا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَأَقَرَّهَا فِي يَدِهِ فَهِيَ كَالْجِنَايَةِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَلاَ يَلْزَمُ السَّيِّدُ فِي مَالِهِ شَيْءٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْمُكَاتَبُ فِي اللُّقَطَةِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَالَهُ وَالْعَبْدُ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ يَقْضِي بِقَدْرِ رِقِّهِ فِيهِ فَإِنْ الْتَقَطَ اللُّقَطَةَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَكُونُ لِنَفْسِهِ فِيهِ أُقِرَّتْ فِي يَدَيْهِ وَكَانَتْ مَالاً مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ مَا كَسَبَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي مَعَانِي كَسْبِ الْأَحْرَارِ، وَإِنْ الْتَقَطَهَا فِي الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لِلسَّيِّدِ أَخَذَهَا السَّيِّدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَا كَسَبَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِلسَّيِّدِ، وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إذَا الْتَقَطَهَا فِي يَوْمِ نَفْسِهِ أَقَرَّ فِي يَدَيْ الْعَبْدِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَأَخَذَ السَّيِّدُ بِقَدْرِ مَا يَرِقُّ مِنْهُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدَيْهِ، وَلاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ اللُّقَطَةُ بِشَيْءٍ حَتَّى تَمْضِيَ سَنَةٌ، وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ اللُّقَطَةَ قَبْلَ السَّنَةِ ثُمَّ جَاءَ رَبُّهَا كَانَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ، وَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَ السَّنَةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَيَرْجِعُ رَبُّ اللُّقَطَةِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، أَوْ قِيمَتِهَا إنْ شَاءَ فَأَيُّهُمَا شَاءَ كَانَ لَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ الرَّبِيعُ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا بَاعَ إذَا كَانَ بَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، فَإِنْ كَانَ بَاعَ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، غَلَّهُ مَا نَقَصَ عَمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا كَانَتْ الضَّالَّةُ فِي يَدَيْ الْوَالِي فَبَاعَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلِسَيِّدِ الضَّالَّةِ ثَمَنُهَا فَإِنْ كَانَتْ الضَّالَّةُ عَبْدًا فَزَعَمَ سَيِّدُ الْعَبْدِ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ قَبِلْت قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي يَمِينَهُ وَفَسَخْت الْبَيْعَ وَجَعَلْته حُرًّا وَرَدَدْت الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لاَ يُفْسَخُ الْبَيْعُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْوَالِي كَبَيْعِ صَاحِبِهِ فَلاَ يُفْسَخُ بَيْعُهُ إلَّا بِبَيِّنَةِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ رَجُلاً لَوْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فَيُفْسَخُ عَلَى الْمُشْتَرِي بَيْعُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا الْتَقَطَ الرَّجُلُ الطَّعَامَ الرَّطْبَ الَّذِي لاَ يَبْقَى فَأَكَلَهُ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهُ غَرِمَ قِيمَتَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ إذَا خَافَ فَسَادَهُ، وَإِذَا الْتَقَطَ الرَّجُلُ مَا يَبْقَى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْلُهُ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَمَا أَشْبَهَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالرِّكَازُ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا وَجَدَ مِنْ مَالِ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَهُوَ لُقَطَةٌ مِنْ اللُّقَطِ يُصْنَعُ فِيهِ مَا يَصْنَعُ فِي اللُّقَطَةِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، وَفِي مَوَاضِعِ اللُّقَطَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِلْكٌ سَقَطَ مِنْ مَالِكِهِ، وَلَوْ تَوَرَّعَ صَاحِبٌ فَأَدَّى خُمْسَهُ كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ، وَلاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا وَجَدَ الرَّجُلُ ضَالَّةَ الْإِبِلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهَا فَإِنْ أَخَذَهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا حَيْثُ وَجَدَهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ لِصَاحِبِهَا قِيمَتَهَا وَالْبَقَرُ وَالْحَمِيرُ وَالْبِغَالُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ ضَوَالِّ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا، وَإِذَا أَخَذَ السُّلْطَانُ الضَّوَالَّ فَإِنْ كَانَ لَهَا حِمًى يَرْعُونَهَا فِيهِ بِلاَ مُؤْنَةٍ عَلَى رَبِّهَا رَعَوْهَا فِيهِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ رَبُّهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حِمًى بَاعُوهَا وَدَفَعُوا أَثْمَانَهَا لِأَرْبَابِهَا، وَمَنْ أَخَذَ ضَالَّةً فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالنَّفَقَةِ لاَ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهَا بِشَيْءٍ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهَا بِمَا أَنْفَقَ فَلْيَذْهَبْ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَفْرِضَ لَهَا نَفَقَةً وَيُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِأَنْ يَقْبِضَ لَهَا تِلْكَ النَّفَقَةَ مِنْهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا، وَلاَ يَكُونُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا إلَّا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَقَعُ مِنْ ثَمَنِهَا مَوْقِعًا، فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ أَمَرَ بِبَيْعِهَا‏.‏

وَمَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَاللُّقَطَةُ مُبَاحَةٌ فَإِنْ هَلَكَتْ مِنْهُ بِلاَ تَعَدٍّ فَلَيْسَ بِضَامِنٍ لَهَا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِذَا الْتَقَطَهَا ثُمَّ رَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا فَضَاعَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا، وَإِنْ رَآهَا فَلَمْ يَأْخُذْهَا فَلَيْسَ بِضَامِنٍ لَهَا وَهَكَذَا إنْ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ فَضَاعَتْ أُضَمِّنُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أُضَمِّنُ الْمُسْتَوْدَعَ وَأَطْرَحُ عَنْهُ الضَّمَانَ فِيمَا أَطْرَحُ عَنْ الْمُسْتَوْدَعِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا حَلَّ الرَّجُلُ دَابَّةَ الرَّجُلِ فَوَقَفَتْ ثُمَّ مَضَتْ، أَوْ فَتَحَ قَفَصًا لِرَجُلٍ عَنْ طَائِرٍ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدُ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الطَّائِرَ وَالدَّابَّةَ أَحْدَثَا الذَّهَابَ وَالذَّهَابُ غَيْرُ فِعْلِ الْحَالِّ وَالْفَاتِحِ وَهَكَذَا الْحَيَوَانُ كُلُّهُ وَمَا فِيهِ رُوحٌ وَلَهُ عَقْلٌ يَقِفُ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَيَذْهَبُ بِنَفْسِهِ فَأَمَّا مَا لاَ عَقْلَ لَهُ، وَلاَ رُوحَ فِيهِ مِمَّا يَضْبِطُهُ الرِّبَاطُ مِثْلَ زِقِّ زَيْتٍ وَرَاوِيَةِ مَاءٍ فَحَلَّهَا الرَّجُلُ فَتَدَفَّقَ الزَّيْتُ فَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَلَّ الزَّيْتَ، وَهُوَ مُسْتَنِدٌ قَائِمٌ فَكَانَ الْحِلُّ لاَ يُدَفِّقُهُ فَثَبَتَ قَائِمًا ثُمَّ سَقَطَ بَعْدُ فَإِنْ طَرَحَهُ إنْسَانٌ فَطَارِحُهُ ضَامِنٌ لِمَا ذَهَبَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَطْرَحْهُ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْهُ الْحَالُّ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الزَّيْتَ إنَّمَا ذَهَبَ بِالطَّرْحِ دُونَ الْحَلِّ وَأَنَّ الْحَلَّ قَدْ كَانَ، وَلاَ جِنَايَةَ فِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ جَعْلَ لِأَحَدٍ جَاءَ بِآبِقٍ، وَلاَ ضَالَّةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ جُعِلَ لَهُ فِيهِ فَيَكُونُ لَهُ مَا جُعِلَ لَهُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ يُعْرَفُ بِطَلَبِ الضَّوَالِّ وَمَنْ لاَ يُعْرَفُ بِهِ وَمَنْ قَالَ‏:‏ لِأَجْنَبِيٍّ إنْ جِئْتَنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ثُمَّ قَالَ‏:‏ لِآخَرَ إنْ جِئْتَنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا ثُمَّ جَاءَا بِهِ جَمِيعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ جَعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ نِصْفَ مَا جُعِلَ عَلَيْهِ كُلُّهُ كَانَ صَاحِبُ الْعَشَرَةِ قَدْ سَمِعَ قَوْلَهُ لِصَاحِبِ الْعِشْرِينَ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِثَلاَثَةٍ فَقَالَ لِأَحَدِهِمْ‏:‏ إنْ جِئْتنِي بِهِ فَلَكَ كَذَا وَلِآخَرَ وَلِآخَرَ فَجَعَلَ أَجْعَالاً مُخْتَلِفَةً ثُمَّ جَاءُوا بِهِ جَمِيعًا فَلِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ جَعْلِهِ‏.‏

وَفِي اخْتِلاَفِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ اللُّقَطَةَ‏.‏ قَالَ‏:‏ الرَّبِيعُ سَأَلْت الشَّافِعِيَّ رحمه الله عَمَّنْ وَجَدَ لُقَطَةً قَالَ‏:‏ يُعَرِّفُهَا سَنَةً ثُمَّ يَأْكُلُهَا إنْ شَاءَ مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا ضَمِنَهَا لَهُ فَقُلْت‏:‏ لَهُ وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ وَرَوَى هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْلِهَا وَأُبَيُّ مِنْ مَيَاسِيرِ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ وَقَبْلُ وَبَعْد أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ‏:‏ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا»‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ نَزَلَ مَنْزِلَ قَوْمٍ بِطَرِيقِ الشَّامِ فَوَجَدَ صُرَّةً فِيهَا ثَمَانُونَ دِينَارًا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ‏:‏ لَهُ عُمَرُ عَرِّفْهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَاذْكُرْهَا لِمَنْ يَقْدُمُ مِنْ الشَّامِ سَنَةً، فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ فَشَأْنُك بِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَرَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَبَاحَ بَعْدَ سَنَةٍ أَكْلَ اللُّقَطَةِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ ذَلِكَ فَقُلْتُمْ يُكْرَهُ أَكْلُ اللُّقَطَةِ لِلْغَنِيِّ وَالْمِسْكَيْنِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلاً وَجَدَ لُقَطَةً فَجَاءَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ‏:‏ إنِّي وَجَدْتُ لُقَطَةً فَمَاذَا تَرَى‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لَهُ ابْنُ عُمَرَ عَرِّفْهَا، قَالَ‏:‏ قَدْ فَعَلْت، قَالَ فَزِدْ قَالَ‏:‏ فَعَلْت قَالَ‏:‏ لاَ آمُرُك أَنْ تَأْكُلَهَا، وَلَوْ شِئْت لَمْ تَأْخُذْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَابْنُ عُمَرَ لَمْ يُوَقِّتْ فِي التَّعْرِيفِ وَقْتًا وَأَنْتُمْ تُوَقِّتُونَ فِي التَّعْرِيفِ سَنَةً وَابْنُ عُمَرَ كَرِهَ لِلَّذِي وَجَدَ اللُّقَطَةَ أَكْلَهَا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا وَأَنْتُمْ لَيْسَ هَكَذَا تَقُولُونَ وَابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ لَهُ أَخْذَهَا وَابْنُ عُمَرَ كَرِهَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا وَأَنْتُمْ لاَ تَكْرَهُونَ لَهُ أَخْذَهَا بَلْ تَسْتَحِبُّونَهُ وَتَقُولُونَ‏:‏ لَوْ تَرَكَهَا ضَاعَتْ‏.‏

وَتَرْجَمَ فِي كِتَابِ اخْتِلاَفِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما اللُّقَطَةَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ دَخَلَ عَلَيَّ ابْنُ قَيْسٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت هُزَيْلاً يَقُولُ رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ أَتَاهُ رَجُلٌ بِصُرَّةٍ مَخْتُومَةٍ فَقَالَ‏:‏ عَرَّفْتُهَا، وَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا قَالَ‏:‏ اسْتَمْتِعْ بِهَا، وَهَذَا قَوْلُنَا إذَا عَرَّفَهَا سَنَةً فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا فَلَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا وَهَكَذَا السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ يُشْبِهُ السُّنَّةَ، وَقَدْ خَالَفُوا هَذَا كُلَّهُ وَرَوَوْا حَدِيثًا عَنْ عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ اشْتَرَى جَارِيَةً فَذَهَبَ صَاحِبُهَا فَتَصَدَّقُوا بِثَمَنِهَا وَقَالَ اللَّهُمَّ عَنْ صَاحِبِهَا فَإِنْ كَرِهَ فَلِي وَعَلَيَّ الْغُرْمُ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَهَكَذَا نَفْعَلُ بِاللُّقَطَةِ فَخَالَفُوا السُّنَّةَ فِي اللُّقَطَةِ الَّتِي لاَ حُجَّةَ فِيهَا، وَخَالَفُوا حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي يُوَافِقُ السُّنَّةَ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ ثَابِتٌ وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي عَنْ عَامِرٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ فِيمَا هُوَ بِعَيْنِهِ يَقُولُونَ‏:‏ إنْ ذَهَبَ الْبَائِعُ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا، وَلَكِنَّهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا مَتَى جَاءَ‏.‏

كِتَابُ اللَّقِيطِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْت الشَّافِعِيَّ رحمه الله يَقُولُ فِي الْمَنْبُوذِ‏:‏ هُوَ حُرٌّ وَلاَ وَلاَءَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ بِأَنَّهُمْ قَدْ خُوِّلُوا كُلَّ مَالٍ لاَ مَالِكَ لَهُ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَالَ النَّصْرَانِيِّ، وَلاَ وَارِثَ لَهُ‏؟‏ وَلَوْ كَانُوا أَعْتَقُوهُ لَمْ يَأْخُذُوا مَالَهُ بِالْوَلاَءِ، وَلَكِنَّهُمْ خُوِّلُوا مَا لاَ مَالِكَ لَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَلَوْ وَرِثَهُ الْمُسْلِمُونَ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ لاَ يُعْطِيَهُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ دُونَ أَحَدٍ وَأَنْ يَكُونَ أَهْلُ السُّوقِ وَالْعَرَبِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ سَوَاءً ثُمَّ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ وَلاَءَهُ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لِجَمَاعَةِ الْأَحْيَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ثُمَّ يَجْعَلُ مِيرَاثَهُ لِوَرَثَتِهِ مَنْ كَانَ حَيًّا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ كَمَا يُورَثُ الْوَلاَءُ، وَلَكِنَّهُ مَالٌ كَمَا وَصَفْنَا لاَ مَالِكَ لَهُ وَيُرَدُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَضَعُهُ الْإِمَامُ عَلَى الِاجْتِهَادِ حَيْثُ يَرَى‏.‏

وَتَرْجَمَ فِي سِيَرِ الْأَوْزَاعِيِّ الصَّبِيُّ يُسْبَى ثُمَّ يَمُوتُ سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله عَنْ الصَّبِيِّ يُسْبَى وَأَبُوهُ كَافِرٌ وَقَعَا فِي سَهْمِ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ، وَهُوَ كَافِرٌ ثُمَّ مَاتَ الْغُلاَمُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْإِسْلاَمِ فَقَالَ‏:‏ لاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ عَلَى دِينِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُقِرُّ بِالْإِسْلاَمِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ‏:‏ مَوْلاَهُ أَوْلَى مِنْ أَبِيهِ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ‏:‏ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ وَخَرَجَ أَبُوهُ مُسْتَأْمَنًا لَكَانَ لِمَوْلاَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَقَالَ‏:‏ أَبُو يُوسُفَ إذَا لَمْ يُسْبَ مَعَهُ أَبُوهُ صَارَ مُسْلِمًا لَيْسَ لِمَوْلاَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ أَبِيهِ إذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ، وَهُوَ يَنْقُضُ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ إنَّهُ لاَ بَأْسَ أَنْ يُبْتَاعَ السَّبْيُ وَيُرَدَّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فِي مَسْأَلَةٍ قَبْلَ هَذَا فَالْقَوْلُ فِي هَذَا مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ إذَا كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى دِينِهِ حَتَّى يُقِرَّ بِالْإِسْلاَمِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ مُسْلِمٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ «سَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَذَرَارِيِّهِمْ فَبَاعَهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَاشْتَرَى أَبُو الشَّحْمِ الْيَهُودِيُّ أَهْلَ بِنْتِ عَجُوزٍ وَلَدَهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا بَقِيَ مِنْ السَّبَايَا أَثْلاَثًا ثُلُثًا إلَى تِهَامَةَ وَثُلُثًا إلَى نَجْدٍ وَثُلُثًا إلَى طَرِيقِ الشَّامِ» فَبِيعُوا بِالْخَيْلِ وَالسِّلاَحِ وَالْإِبِلِ وَالْمَالِ، وَفِيهِمْ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ هَذَا أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَطْفَالِ مَعَهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَطْفَالِ مَنْ لاَ أُمَّ لَهُ، فَإِذَا سُبُوا مَعَ أُمَّهَاتِهِمْ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُبَاعُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ سُبُوا مَعَ آبَائِهِمْ، وَلَوْ مَاتَ أُمَّهَاتُهُمْ وَآبَاؤُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا فَيَصِفُوا الْإِسْلاَمَ لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى دَيْنِ الْأُمَّهَاتِ وَالْآبَاءِ إذَا كَانَ النِّسَاءُ بَلْغًا فَلَنَا بَيْعُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ أُمَّهَاتِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّا قَدْ حَكَمْنَا عَلَيْهِمْ بِأَنَّ حُكْمَ الشِّرْكِ ثَابِتٌ عَلَيْهِمْ إذَا تَرَكْنَا الصَّلاَةَ عَلَيْهِمْ كَمَا حَكَمْنَا بِهِ وَهُمْ مَعَ آبَائِهِمْ لاَ فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ إذَا لَزِمَهُمْ حُكْمُ الشِّرْكِ كَانَ لَنَا بَيْعُهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ الْبَوَالِغُ قَدْ «اسْتَوْهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَةً بَالِغًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَفَدَى بِهَا رَجُلَيْنِ»‏.‏

وَتَرْجَمَ فِي اخْتِلاَفِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ

باب الْمَنْبُوذِ

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سِنِينَ أَبِي جَمِيلَةَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَجَاءَ بِهِ إلَى عُمَرَ فَقَالَ‏:‏ مَا حَمَلَك عَلَى أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ‏؟‏ قَالَ وَجَدْتهَا ضَائِعَةً فَأَخَذْتهَا فَقَالَ عَرِيفِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقَالَ‏:‏ أَكَذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قَالَ‏:‏ عُمَرُ اذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَوَلاَؤُهُ لَك وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْمَنْبُوذِ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّ، وَلاَءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَقُلْت‏:‏ لِلشَّافِعِيِّ فَبِقَوْلِ مَالِكٍ نَأْخُذُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَدْ تَرَكْتُمْ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي الْمَنْبُوذِ فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَكْتُمُوهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، فَقَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّ فِي ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى أَنْ لاَ يَكُونَ الْوَلاَءُ إلَّا لِمَنْ أُعْتِقَ، وَلاَ يَزُولُ عَنْ مُعْتَقٍ، فَقَدْ خَالَفْتُمْ عُمَرَ اسْتِدْلاَلاً بِالسُّنَّةِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ السُّنَّةَ فَزَعَمْتُمْ أَنَّ السَّائِبَةَ لاَ يَكُونُ وَلاَؤُهُ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ، وَهُوَ مُعْتَقٌ فَخَالَفْتُمُوهُمَا جَمِيعًا وَخَالَفْتُمْ السُّنَّةَ فِي النَّصْرَانِيِّ يَعْتِقُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ فَزَعَمْتُمْ أَنْ لاَ وَلاَءَ لَهُ، وَهُوَ مُعْتَقٌ وَخَالَفْتُمْ السُّنَّةَ فِي الْمَنْبُوذِ إذْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَهَذَا نَفَى أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَالْمَنْبُوذُ غَيْرُ مُعْتَقٍ وَلاَ وَلاَءَ لَهُ فَمَنْ أَجْمَعَ تَرَكَ السُّنَّةَ وَخَالَفَ عُمَرَ فَيَا لَيْتَ شَعْرِي مِنْ هَؤُلاَءِ الْمُجْمِعِينَ لاَ يُسَمُّونَ فَإِنَّا لاَ نَعْرِفُهُمْ، وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ، وَلَمْ يُكَلِّفْ اللَّهُ أَحَدًا أَنْ يَأْخُذَ دِينَهُ عَمَّنْ لاَ يَعْرِفُهُ، وَلَوْ كَلَّفَهُ أَفَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَّنْ لاَ يَعْرِفُ‏؟‏ إنَّ هَذِهِ لَغَفْلَةٌ طَوِيلَةٌ فَلاَ أَعْرِفُ أَحَدًا عَنْهُ هَذَا الْعِلْمَ يُؤْخَذُ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا فِي قَوْلِهِ وَاحِدٌ يَتْرُكُ مَا رُوِيَ فِي اللَّقِيطِ عَنْ عُمَرَ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ يَدَعُ السُّنَّةَ فِيهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي السَّائِبَةِ وَالنَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ خَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا فَكَانَ قَوْلُهُ أَشَدَّ تَوْجِيهًا مِنْ قَوْلِكُمْ قَالُوا‏:‏ يُتَّبَعُ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ فِي اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يَكُونَ خِلاَفًا لِلسُّنَّةِ وَأَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ فِي الْمُعْتَقِ فِيمَنْ لاَ وَلاَءَ لَهُ وَيَجْعَلُ وَلاَءَ الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْهِ الرَّجُلُ لِلْمُسْلِمِ بِحَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا‏:‏ فِي السَّائِبَةِ وَالنَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ قَوْلَنَا فَزَعَمْنَا أَنَّ عَلَيْهِمْ حُجَّةً بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» لاَ يَكُونُ الْوَلاَءُ إلَّا لِمُعْتَقٍ، وَلاَ يَزُولُ عَنْ مُعْتِقٍ فَإِنْ كَانَتْ لَنَا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ فَهِيَ عَلَيْكُمْ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّكُمْ خَالَفْتُمُوهُ حَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ تُوَافِقُوهُ وَوَافَقْتُمُوهُ حَيْثُ كَانَ لَكُمْ شُبْهَةٌ لَوْ خَالَفْتُمُوهُ‏.‏

باب الْجَعَالَة

وَلَيْسَ فِي التَّرَاجِمِ وَفِي آخِرِ اللُّقَطَةِ الْكَبِيرَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلاَ جَعْلَ لِأَحَدٍ جَاءَ بِآبِقٍ، وَلاَ ضَالَّةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَعَلَ لَهُ فِيهِ فَيَكُونُ لَهُ مَا جَعَلَ لَهُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ يُعْرَفُ بِطَلَبِ الضَّوَالِّ وَمَنْ لاَ يُعْرَفُ بِهِ وَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ‏:‏ إنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ‏:‏ إنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا ثُمَّ جَاءَا بِهِ جَمِيعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ جَعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ نِصْفَ مَا جَعَلَ عَلَيْهِ كَانَ صَاحِبُ الْعَشَرَةِ قَدْ سَمِعَ قَوْلَهُ لِصَاحِبِ الْعِشْرِينَ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِثَلاَثَةٍ فَقَالَ‏:‏ لِأَحَدِهِمْ إنْ جِئْتنِي بِهِ فَلَكَ كَذَا، وَلِآخَرَ وَلِآخَرَ‏.‏ فَجَعَلَ أَجْعَالاً مُخْتَلِفَةً ثُمَّ جَاءُوا بِهِ مَعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ جَعْلِهِ

كِتَابُ الْفَرَائِضِ

باب الْمَوَارِيثِ ‏(‏مَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْمِيرَاثَ وَكَانَ يَرِثُ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ‏)‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى مِيرَاثَ الْوَالِدَيْنِ وَالْإِخْوَةِ وَالزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ فَكَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ كَانَ وَالِدًا، أَوْ أَخًا مَحْجُوبًا وَزَوْجًا وَزَوْجَةً، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَرِثُوا وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ سُمِّيَ لَهُ مِيرَاثٌ إذَا كَانَ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَقَاوِيلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الآيَةِ أَنَّ أَهْلَ الْمَوَارِيثِ إنَّمَا وَرِثُوا إذَا كَانُوا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ‏.‏

قُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ وَهَكَذَا نَصُّ السُّنَّةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، وَلَكِنْ هَكَذَا دَلاَلَتُهَا، قُلْت وَكَيْفَ دَلاَلَتُهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ قَوْلاً يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ مَنْ سُمِّيَ لَهُ مِيرَاثٌ لاَ يَرِثُ‏.‏

فَيُعْلَمُ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ كَانَ عَلَى أَنْ يَرِثَ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ الْأُبُوَّةِ وَالزَّوْجَةِ وَغَيْرِهِ عَامًّا لَمْ يَحْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَدٍ لَزِمَهُ اسْمُ الْمِيرَاثِ بِأَنْ لاَ يَرِثَ بِحَالٍ‏.‏

قِيلَ‏:‏ لِلشَّافِعِيِّ فَاذْكُرْ الدَّلاَلَةَ فِيمَنْ لاَ يَرِثُ مَجْمُوعَةً‏.‏

قَالَ‏:‏ لاَ يَرِثُ أَحَدٌ مِمَّنْ سُمِّيَ لَهُ مِيرَاثٌ حَتَّى يَكُونَ دِينُهُ دِينَ الْمَيِّتِ الْمَوْرُوثِ وَيَكُونُ حُرًّا، وَيَكُونُ بَرِيئًا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَاتِلاً لِلْمَوْرُوثِ، فَإِذَا بَرِئَ مِنْ هَذِهِ الثَّلاَثِ الْخِصَالِ وَرِثَ، وَإِذَا كَانَتْ فِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَمْ يَرِثْ، فَقُلْت‏:‏ فَاذْكُرْ مَا وَصَفْت، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ إنَّمَا وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ، وَلَمْ يَرِثْهُ عَلِيٌّ، وَلاَ جَعْفَرٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا نَصِيبَنَا مِنْ الشِّعْبِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَصَفْت لَك مِنْ أَنَّ الدِّينَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا بِالشِّرْكِ وَالْإِسْلاَمِ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ سُمِّيَتْ لَهُ فَرِيضَةٌ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ مَالَ الْعَبْدِ إذَا بِيعَ لِسَيِّدِهِ دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا، وَأَنَّ اسْمَ مَالِهِ إنَّمَا هُوَ إضَافَةُ الْمَالِ إلَيْهِ، كَمَا يَجُوزُ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِأَجِيرٍ فِي غَنَمِهِ وَدَارِهِ وَأَرْضِهِ هَذِهِ أَرْضُك وَهَذِهِ غَنَمُك عَلَى الْإِضَافَةِ لاَ الْمِلْكِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ، وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مِلْكًا لَهُ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ لَهُ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مَالَهُ لِلْبَائِعِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْمَالِ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ وَأَنَّ الْمَمْلُوكَ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا، وَلَمْ أَسْمَعْ اخْتِلاَفًا فِي أَنَّ قَاتِلَ الرَّجُلِ عَمْدًا لاَ يَرِثُ مَنْ قَتَلَ مِنْ دِيَةٍ، وَلاَ مَالٍ شَيْئًا‏.‏

ثُمَّ افْتَرَقَ النَّاسُ فِي الْقَاتِلِ خَطَأً، فَقَالَ‏:‏ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَرِثُ مِنْ الْمَالِ، وَلاَ يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ لاَ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ‏:‏ لاَ يَرِثُ قَاتِلُ الْخَطَأِ مِنْ دِيَةٍ، وَلاَ مَالٍ، وَهُوَ كَقَاتِلِ الْعَمْدِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ فَلاَ يَرِثُ قَاتِلُ عَمْدٍ، وَلاَ خَطَأٍ شَيْئًا أَشْبَهَ بِعُمُومِ أَنْ لاَ يَرِثَ قَاتِلٌ مِمَّنْ قَتَلَ‏.‏

باب الْخِلاَفِ فِي مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَفِيهِ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِمِيرَاثِ الْعَبْدِ وَالْقَاتِلِ

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَوَافَقَنَا بَعْضُ النَّاسِ، فَقَالَ‏:‏ لاَ يَرِثُ مَمْلُوكٌ، وَلاَ قَاتِلٌ عَمْدًا، وَلاَ خَطَأً، وَلاَ كَافِرٌ شَيْئًا، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ‏:‏ إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَمَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ، أَوْ قُتِلَ وَرِثَهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ‏:‏ أَيَعْدُو الْمُرْتَدُّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلْ كَافِرٌ، قِيلَ‏:‏ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «لاَ يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ الْكُفَّارِ أَحَدًا فَكَيْفَ وَرَّثْت مُسْلِمًا كَافِرًا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ إنَّهُ كَافِرٌ قَدْ كَانَ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ ثُمَّ أَزَالَهُ عَنْ نَفْسِهِ، قُلْنَا فَإِنْ كَانَ زَالَ بِإِزَالَتِهِ إيَّاهُ، فَقَدْ صَارَ إلَى أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ يَرِثَهُ مُسْلِمٌ، وَلاَ يَرِثُ مُسْلِمًا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَزُلْ بِإِزَالَتِهِ إيَّاهُ، أَفَرَأَيْت أَنَّ مَنْ مَاتَ لَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ مُرْتَدٌّ أَيَرِثُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، قُلْنَا‏:‏ وَلِمَ حَرَمْتَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لِلْكُفْرِ، قُلْنَا‏:‏ فَلِمَ لاَ يُحْرَمُ مِنْهُ بِالْكُفْرِ كَمَا حَرَمْته‏؟‏ هَلْ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ فِي الْمِيرَاثِ بِحَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ فَيَرِثَ وَيُورَثَ أَوْ يَكُونَ خَارِجًا مِنْ حَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ فَلاَ يَرِثَ، وَلاَ يُورَثَ، وَقَدْ قَتَلْته‏؟‏ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَدْ زَالَتْ بِإِزَالَتِهِ وَحَرَّمْت عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَحَكَمْت عَلَيْهِ حُكْمَ الْمُشْرِكِينَ فِي بَعْضٍ وَحُكْمَ الْمُسْلِمِينَ فِي بَعْضٍ قَالَ‏:‏ فَإِنِّي إنَّمَا ذَهَبْت إلَى أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه وَرَّثَ وَرَثَةَ مُرْتَدٍّ قَتَلَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَالَهُ قُلْنَا‏:‏ قَدْ رَوَيْته عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ قَبْلَك أَنَّهُ غُلِطَ عَلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا عَنْهُ كَانَ أَصْلُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِك أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لاَ يَرِثُ الْكَافِرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ كَافِرًا قُلْنَا فَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ مُخَالِفًا حُكْمَ مَنْ لَمْ يَزَلْ كَافِرًا فَوَرَّثَهُ فَوَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ إذَا مَاتُوا قَبْلَهُ فَعَلِيٌّ لَمْ يَنْهَك عَنْ هَذَا قَالَ‏:‏ هُوَ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت‏:‏ فَإِنْ كَانَ دَاخِلاً فِي جُمْلَةِ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَزِمَك أَنْ تَتْرُكَ قَوْلَك فِي أَنَّ وَرَثَتَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةَ وَمَسْرُوقٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَرِثُ الْكَافِرَ، وَلاَ يَرِثُهُ الْكَافِرُ وَقَالَ‏:‏ بَعْضُهُمْ كَمَا تَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ، وَلاَ تَحِلُّ لَهُمْ نِسَاؤُنَا فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ‏:‏ «قَضَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي كَافِرٍ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ» وَأُولَئِكَ لاَ تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ، وَلاَ نِسَاؤُهُمْ وَأَهْلُ الْكِتَابِ غَيْرُهُمْ فَيَرِثُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا وَصَفْنَا، أَوْ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ لَهُمْ مَا احْتَمَلَ لَك بَلْ لَهُمْ شُبْهَةٌ لَيْسَتْ لَك بِتَحْلِيلِ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِسَائِهِمْ قَالَ‏:‏ لاَ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ قُلْنَا وَلِمَ‏؟‏ قَالَ؛ لِأَنَّهُمْ دَاخِلُونَ فِي الْكَافِرِينَ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمْلَةٌ‏.‏ قُلْنَا‏:‏ فَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْكَافِرِينَ

باب مَنْ قَالَ‏:‏ لاَ يُورَثُ أَحَدٌ حَتَّى يَمُوتَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ‏}‏ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَعَلاَ‏:‏ ‏{‏وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ‏}‏ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكَانَ مَعْقُولاً عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَقَوْلِ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ امْرَأً لاَ يَكُونُ مَوْرُوثًا أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ، فَإِذَا مَاتَ كَانَ مَوْرُوثًا وَأَنَّ الْأَحْيَاءَ خِلاَفُ الْمَوْتَى فَمَنْ وَرِثَ حَيًّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ خِلاَفَ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا‏:‏ وَالنَّاسُ مَعَنَا بِهَذَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِي جُمْلَتِهِ وَقُلْنَا بِهِ فِي الْمَفْقُودِ وَقُلْنَا لاَ يُقَسَّمُ مَالُهُ حَتَّى يُعْلَمَ يَقِينُ وَفَاتِهِ‏.‏

وَقَضَى عُمَرُ وَعُثْمَانُ فِي امْرَأَتِهِ بِأَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَقَدْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِالْعَجْزِ عَنْ إصَابَتِهَا‏.‏

وَنُفَرِّقُ نَحْنُ بِالْعَجْزِ عَنْ نَفَقَتِهَا وَهَاتَانِ سَبَبَا ضَرَرٍ، وَالْمَفْقُودُ قَدْ يَكُونُ سَبَبَ ضَرَرٍ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ، فَعَابَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ الْقَضَاءَ فِي الْمَفْقُودِ، وَفِيهِ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمَا وَصَفْنَا مِمَّا يَقُولُونَ فِيهِ بِقَوْلِنَا وَيُخَالِفُونَا، وَقَالُوا‏:‏ كَيْفَ يَقْضِي لِامْرَأَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ مَيِّتًا بَعْدَ مُدَّةٍ، وَلَمْ يَأْتِ يَقِينُ مَوْتِهِ‏؟‏ ثُمَّ دَخَلُوا فِي أَعْظَمَ مِمَّا عَابُوا خِلاَفَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ‏.‏ وَجُمْلَةُ مَا عَابُوا، فَقَالُوا فِي الرَّجُلِ يَرْتَدُّ فِي ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ فَيَلْحَقُ بِمَسْلَحَةٍ مِنْ مَسَالِحِ الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونُ قَائِمًا فِيهَا يَتَرَهَّبُ، أَوْ جَاءَ إلَيْنَا مُقَاتِلاً يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَتُحَلُّ دُيُونُهُ وَيُعْتَقُ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَوْتَى فِي جَمِيعِ أَمْرِهِ ثُمَّ يَعُودُ لِمَا حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِ فَيَقُولُ فِيهِ قَوْلاً مُتَنَاقِضًا خَارِجًا كُلَّهُ مِنْ أَقَاوِيلِ النَّاسِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ مَا وَصَفْت بَعْضَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُهُمْ عِنْدَهُمْ، أَوْ كَأَعْلَمِهِمْ فَقُلْت لَهُ مَا وَصَفْت، وَقُلْت‏:‏ لَهُ أَسْأَلُك عَنْ قَوْلِك، فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ حَرَامًا أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ أَبَدًا قَوْلاً لَيْسَ خَبَرًا لاَزِمًا، أَوْ قِيَاسًا أَقَوْلُكَ فِي أَنْ يُورَثَ الْمُرْتَدُّ، وَهُوَ حَيٌّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْكُفْرِ خَبَرًا، أَوْ قِيَاسًا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَمَّا خَبَرٌ فَلاَ، فَقُلْت‏:‏ فَقِيَاسٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ مِنْ وَجْهٍ، قُلْت فَأَوْجِدْنَا ذَلِكَ الْوَجْهَ قَالَ‏:‏ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعِي فِي الدَّارِ وَكُنْتُ قَادِرًا عَلَيْهِ قَتَلْته‏؟‏ فَقُلْت فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ فَتَقْتُلُهُ أَفَمَقْتُولٌ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ بِلاَ قَتْلٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت‏:‏ فَكَيْفَ حَكَمْت عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى، وَهُوَ غَيْرُ مَيِّتٍ‏؟‏ أَوَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ عِلَّتُك بِأَنَّك لَوْ قَدَرْت عَلَيْهِ فِي حَالِهِ تِلْكَ فَقَتَلْته فَجَعَلْته فِي حُكْمِ الْمَوْتَى فَكَانَ هَارِبًا فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ مُقِيمًا عَلَى الرِّدَّةِ دَهْرًا مِنْ دَهْرِهِ أَتُقَسِّمُ مِيرَاثَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، قُلْت‏:‏ فَأَسْمَعُ عِلَّتَك بِأَنَّك لَوْ قَدَرْت عَلَيْهِ قَتَلْته‏.‏

قَالَ‏:‏ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهِ حُكِمَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَوْتَى كَانَتْ بَاطِلاً عِنْدَك فَرَجَعْت إلَى الْحَقِّ عِنْدَك فِي أَنْ لاَ تَقْتُلَهُ إذَا كَانَ هَارِبًا فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ وَأَنْتَ لَوْ قَدَرْت عَلَيْهِ قَتَلْته‏.‏

وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَك حَقًّا فَتَرَكْت الْحَقَّ فِي قَتْلِهِ إذَا كَانَ هَارِبًا فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ‏.‏

قُلْت‏:‏ فَإِنَّمَا قَسَّمْت مِيرَاثَهُ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْكُفْرِ دُونَ الْمَوْتِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، قُلْت‏:‏ فَالْمُسْلِمُ يَلْحَقُ بِدَارِ الْكُفْرِ أَيُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ إذَا كَانَ فِي دَارٍ لاَ يَجْرِي عَلَيْهِ فِيهَا الْحُكْمُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ‏.‏ قُلْنَا فَالدَّارُ لاَ تُمِيتُ أَحَدًا، وَلاَ تُحْيِيهِ، فَهُوَ حَيٌّ حَيْثُ كَانَ حَيًّا وَمَيِّتٌ حَيْثُ كَانَ مَيِّتًا‏.‏ قَالَ نَعَمْ‏:‏ قُلْنَا أَفَتَسْتَدْرِكُ عَلَى أَحَدٍ أَبَدًا بِشَيْءٍ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ أَقْبَحُ أَنْ تَقُولَ الْحَيُّ مَيِّتٌ‏؟‏ أَرَأَيْت لَوْ تَابَعَك أَحَدٌ عَلَى أَنْ تَزْعُمَ أَنَّ حَيًّا يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْك أَنَّ مَنْ تَابَعَك عَلَى هَذَا مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ، أَوْ غَبِيٌّ لاَ يُسْمَعُ مِنْهُ‏.‏ فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلَّانِ مَعًا عَلَى دَلاَلَةِ الْمَعْقُولِ عَلَى خِلاَفِكُمَا مَعًا‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقُلْت‏:‏ لَهُ عِبْتُمْ عَلَى مَنْ قَالَ‏:‏ قَوْلَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله تعالى عنهما فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَمِنْ أَصْلِ مَا تَذْهَبُونَ كَمَا تَزْعُمُونَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ‏:‏ قَوْلاً كَانَ قَوْلُهُ غَايَةً يُنْتَهَى إلَيْهَا وَقَبِلْتُمْ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ وَجَبَ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ وَرَدَدْتُمْ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ الْآيَتَيْنِ وَهُمَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا‏}‏، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ وَذَهَبْنَا إلَى أَنَّ الْإِرْخَاءَ وَالْإِغْلاَقَ لاَ يَصْنَعُ شَيْئًا إنَّمَا يَصْنَعُهُ الْمَسِيسُ فَكَيْفَ لَمْ تُجِيزُوا لِمَنْ تَأَوَّلَ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَقَالَ‏:‏ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏؟‏ وَقُلْتُمْ عُمَرُ فِي إمَامَتِهِ أَعْلَمُ بِمَعْنَى الْقُرْآنِ، ثُمَّ امْتَنَعْتُمْ مِنْ الْقَبُولِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ الْقَضَاءَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَهُمَا لَمْ يَقْضِيَا فِي مَالِهِ بِشَيْءٍ عَلِمْنَاهُ، وَقُلْتُمْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْكَم عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَوْتَى قَبْلَ أَنْ تَسْتَيْقِنَ وَفَاتَهُ، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ‏.‏

ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَحْكُمُونَ عَلَى رَجُلٍ حُكْمَ الْمَوْتِ وَأَنْتَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حَيَاتِهِ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ فَلَقَلَّمَا رَأَيْتُكُمْ عِبْتُمْ عَلَى أَحَدٍ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي انْتَهَى إلَيْهَا شَيْئًا قَطُّ إلَّا قُلْتُمْ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ بِمِثْلِهِ وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعِيبًا فَأَيُّ جَهْلٍ أَبْيَنُ مِنْ أَنْ تَعِيبَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ عِنْدَك فِيمَا تَزْعُمُ‏؟‏ غَايَةُ مَا نَقُولُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ مَا عِبْت مِنْهُ، أَوْ مِثْلِهِ، وَقُلْت لِبَعْضِهِمْ‏:‏ أَرَأَيْت قَوْلَك لَوْ لَمْ يَعِبْ بِخِلاَفِ كِتَابٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ إجْمَاعٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ مَعْقُولٍ وَسَكَتَ لَك عَنْ هَذَا كُلِّهِ، أَلاَ يَكُونُ قَوْلُك مَعِيبًا بِلِسَانِك‏؟‏ قَالَ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ أَرَأَيْت إذَا كَانَتْ الرِّدَّةُ اللُّحُوقَ بِدَارِ الْحَرْبِ يُوجِبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَوْتِ لِمَ زَعَمْت أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ فَرَّطَ، أَوْ لَمْ يُرْفَعْ ذَلِكَ إلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ سِنِينَ، وَهُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ‏.‏

ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي مُسْلِمًا أَنَّهُ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ، وَلِمَ زَعَمْت أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ حَكَمَ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمَوْتِ ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِمًا كَانَ الْحُكْمُ مَاضِيًا فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ‏؟‏ مَا زَعَمْت أَنَّ حُكْمَ الْمَوْتِ يَجِبُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ وَاللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّك لَوْ زَعَمْت ذَلِكَ، قُلْت‏:‏ لَوْ رَجَعَ مُسْلِمًا أُنَفِّذُ عَلَيْهِ الْحُكْمَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ، وَلَوْ زَعَمْت أَنَّ الْحُكْمَ إذَا أُنْفِذَ عَلَيْهِ وَرَجَعَ مُسْلِمًا رُدَّ الْحُكْمُ فَلاَ يُنَفَّذُ فَأَنْتَ زَعَمْت أَنْ يُنَفِّذَ بَعْضًا وَيَرُدَّ بَعْضًا‏.‏

قَالَ وَمَا ذَلِكَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ زَعَمْت أَنَّهُ يُعْتَقُ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِ وَيُعْطِي غَرِيمَهُ الَّذِي حَقُّهُ إلَى ثَلاَثِينَ سَنَةً حَالًّا وَيُقَسِّمُ مِيرَاثَهُ فَيَأْتِي مُسْلِمًا وَمُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِ وَمَالُهُ قَائِمٌ فِي يَدَيْ غَرِيمِهِ يُقِرُّ بِهِ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ وَلاَ يَرُدُّ مِنْ هَذَا شَيْئًا، وَهُوَ مَالُهُ بِعَيْنِهِ فَكُلُّ مَالٍ فِي يَدَيْ الْغَرِيمِ مَالُهُ بِعَيْنِهِ وَتَقُولُ لاَ يُنْقَضُ الْحُكْمُ‏.‏

ثُمَّ تَنْزِعُ مِيرَاثَهُ مِنْ يَدَيْ وَرَثَتِهِ فَكَيْفَ نَقَضْت بَعْضَ الْحُكْمِ دُونَ بَعْضٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قُلْت‏:‏ هُوَ مَالُهُ بِعَيْنِهِ لَمْ يُحَلَّلْ لَهُ وَمُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِ بِأَعْيَانِهِمْ‏.‏

ثُمَّ زَعَمْت أَنَّهُ يُنْقَضُ الْحُكْمُ لِلْوَرَثَةِ وَأَنَّهُ إنْ اسْتَهْلَكَ بَعْضُهُمْ مَالَهُ، وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يَغْرَمْهُ إيَّاهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ بَعْضُهُمْ أَخَذْته مِمَّنْ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ كَمُلَ عَقْلُهُ وَعِلْمُهُ لَوْ تَخَاطَأَ أَنْ يَأْتِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ‏؟‏ أَرَأَيْت مَنْ نَسَبْتُمْ إلَيْهِ الضَّعْفَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَتَعْطِيلِ النَّظَرِ وَقُلْتُمْ إنَّمَا يَتَخَرَّصُ فَيَلْقَى مَا جَاءَ عَلَى لِسَانِهِ هَلْ كَانَ تَعْطِيلُ النَّظَرِ يُدْخِلُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ خِلاَفِ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ، فَقَدْ جَمَعَتْهُمَا جَمِيعًا، أَوْ خِلاَفِ مَعْقُولٍ، أَوْ قِيَاسٍ أَوْ تَنَاقُضِ قَوْلٍ، فَقَدْ جَمَعْتَهُ كُلَّهُ فَإِنْ كَانَ أَخْرَجَك عِنْدَ نَفْسِك مِنْ أَنْ تَكُونَ مَلُومًا عَلَى هَذَا إنَّك أَبْدَيْتَهُ وَأَنْتَ تَعْرِفُهُ فَلاَ أَحْسِبُ لِمَنْ أَتَى مَا لَيْسَ لَهُ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ عُذْرًا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْجَاهِلِ بِأَنْ يَقُولَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يُخْطِئُ، وَلاَ يَعْلَمُ فَأَحْسِبُ الْعَالِمَ غَيْرَ مَعْذُورٍ بِأَنْ يُخْطِئَ، وَهُوَ يَعْلَمُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ فَمَا تَقُولُ أَنْتَ‏؟‏ فَقُلْت‏:‏ أَقُولُ إنِّي أَقِفُ مَالَهُ حَتَّى يَمُوتَ فَأَجْعَلُهُ فَيْئًا، أَوْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلاَمِ فَأَرُدَّهُ إلَيْهِ، وَلاَ أَحْكُمُ بِالْمَوْتِ عَلَى حَيٍّ فَيَدْخُلَ عَلَيَّ بَعْضُ مَا دَخَلَ عَلَيْك‏.‏

باب رَدِّ الْمَوَارِيثِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ‏}‏ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ‏}‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ اسْمُهُ‏:‏ ‏{‏وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَهَذِهِ الْآيُ فِي الْمَوَارِيثِ كُلِّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ انْتَهَى بِمَنْ سَمَّى لَهُ فَرِيضَةً إلَى شَيْءٍ، فَلاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ مَنْ انْتَهَى اللَّهُ بِهِ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ مَا انْتَهَى بِهِ، وَلاَ يَنْقُصُهُ فَبِذَلِكَ قُلْنَا‏:‏ لاَ يَجُوزُ رَدُّ الْمَوَارِيثِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا تَرَكَ الرَّجُلُ أُخْتَهُ أَعْطَيْتهَا نِصْفَ مَا تَرَكَ وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْعَصَبَةِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ فَلِمَوَالِيهِ الَّذِينَ أَعْتَقُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوَالٍ أَعْتَقُوهُ كَانَ النِّصْفُ مَرْدُودًا عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ، وَلاَ تُزَادُ أُخْتُهُ عَلَى النِّصْفِ، وَكَذَلِكَ لاَ يُرَدُّ عَلَى وَارِثٍ ذِي قَرَابَةٍ، وَلاَ زَوْجٍ، وَلاَ زَوْجَةٍ لَهُ فَرِيضَةٌ، وَلاَ تُجَاوِزُ بِذِي فَرِيضَةٍ فَرِيضَتُهُ وَالْقُرْآنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى هَذَا، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ مِمَّنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِنَا‏.‏

باب الْخِلاَفِ فِي رَدِّ الْمَوَارِيثِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ إذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ أُخْتَهُ، وَلاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهَا، وَلاَ مَوْلَى أَعْطَيْت الْأُخْتَ الْمَالَ كُلَّهُ، قَالَ‏:‏ فَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا إلَى أَيُّ شَيْءٍ ذَهَبْتُمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ذَهَبْنَا إلَى أَنْ رَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَدُّ الْمَوَارِيثِ فَقُلْت‏:‏ لَهُ مَا هُوَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا عَلِمْته بِثَابِتٍ، وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا كُنْت قَدْ تُرِكَتْ عَلَيْهِمَا أَقَاوِيلُ لَهُمَا فِي الْفَرَائِضِ غَيْرَ قَلِيلَةٍ لِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَكَيْفَ إنْ كَانَ زَيْدٌ لاَ يَقُولُ بِقَوْلِهِمَا لاَ يَرُدُّ الْمَوَارِيثَ لِمَ لَمْ تَتَّبِعْهُ دُونَهُمَا كَمَا اتَّبَعْته دُونَهُمَا فِي غَيْرِ هَذَا مِنْ الْفَرَائِضِ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ فَدَعْ هَذَا، وَلَكِنْ أَرَأَيْت إذَا اخْتَلَفَ الْقَوْلاَنِ فِي رَدِّ الْمَوَارِيثِ أَلَيْسَ يَلْزَمُنَا أَنْ نَصِيرَ إلَى أَشْبَهِ الْقَوْلَيْنِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏؟‏ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَعُدَّهُمَا خَالَفَاهُ أَيُّ الْقَوْلَيْنِ أَشْبَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏؟‏ قُلْنَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لاَ شَكَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ‏:‏ وَأَيْنَ الدَّلاَلَةُ عَلَى مُوَافَقَةِ قَوْلِكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ قَوْلِنَا‏؟‏ قُلْت قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏}‏ فَذَكَرَ الْأُخْتَ مُنْفَرِدَةً فَانْتَهَى بِهَا إلَى النِّصْفِ وَذَكَرَ الْأَخ مُنْفَرِدًا فَانْتَهَى بِهِ إلَى الْكُلِّ وَذَكَرَ الْأَخَ وَالْأُخْتَ مُجْتَمَعَيْنِ فَجَعَلَهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْأَخِ فِي الِاجْتِمَاعِ كَمَا جَعَلَهَا فِي الِانْفِرَادِ أَفَرَأَيْت إنْ أَعْطَيْتهَا الْكُلَّ مُنْفَرِدَةً أَلَيْسَ قَدْ خَالَفْت حُكْمَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَصًّا‏؟‏ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ انْتَهَى بِهَا إلَى النِّصْفِ وَخَالَفْت مَعْنَى حُكْمِ اللَّهِ إذْ سَوَّيْتهَا بِهِ، وَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَعَهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقُلْت لَهُ وَآيُ الْمَوَارِيثِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى خِلاَفِ رَدِّ الْمَوَارِيثِ قَالَ‏:‏ فَقَالَ أَرَأَيْت إنْ قُلْت‏:‏ لاَ أُعْطِيهَا النِّصْفَ الْبَاقِيَ مِيرَاثًا‏؟‏ قُلْت‏:‏ لَهُ قُلْ مَا شِئْت قَالَ‏:‏ أَرَاهَا مَوْضِعَهُ قُلْت‏:‏ فَإِنْ رَأَى غَيْرُك غَيْرَهَا مَوْضِعَهُ فَأَعْطَاهَا جَارَةً لَهُ مُحْتَاجَةً، أَوْ جَارًا لَهُ مُحْتَاجًا أَوْ غَرِيبًا مُحْتَاجًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قُلْت‏:‏ وَلاَ لَك بَلْ هَذَا أَعْذَرُ مِنْك، هَذَا لَمْ يُخَالِفْ حُكْمَ الْكِتَابِ نَصًّا، وَإِنَّمَا خَالَفَ قَوْلَ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ عَوَامَّ مِنْهُمْ يَقُولُونَ هُوَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

باب الْمَوَارِيثِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزر‏}‏ فَنَسَبَ إبْرَاهِيمَ إلَى أَبِيهِ وَأَبُوهُ كَافِرٌ وَنَسَبَ ابْنَ نُوحٍ إلَى أَبِيهِ نُوحٍ وَابْنُهُ كَافِرٌ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ‏{‏اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ‏}‏ وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ‏}‏ فَنَسَبُ الْمَوَالِي نَسَبَانِ أَحَدُهُمَا إلَى الْآبَاءِ وَالْآخَرُ إلَى الْوَلاَءِ وَجَعَلَ الْوَلاَءَ بِالنِّعْمَةِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةُ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ» فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْوَلاَءَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُعْتِقِ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «الْوَلاَءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ» فَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَلاَءَ إنَّمَا يَكُونُ بِمُتَقَدِّمِ فِعْلٍ مِنْ الْمُعْتِقِ كَمَا يَكُونُ النَّسَبُ بِمُتَقَدِّمِ وِلاَدٍ مِنْ الْأَبِ، أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ كَانَ لاَ أَبَ لَهُ يُعْرَفُ جَاءَ رَجُلاً فَسَأَلَ أَنْ يَنْسُبَهُ إلَى نَفْسِهِ وَرَضِيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ لَهُ ابْنًا أَبَدًا فَيَكُونُ مُدْخِلاً بِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مَظْلَمَةٌ فِي أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ وَيَكُونُ نَاسِبًا إلَى نَفْسِهِ غَيْرَ مَنْ وَلَدَ، وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ»، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُعْتِقْ الرَّجُلُ الرَّجُلَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ بِالْوَلاَءِ فَيَدْخُلَ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْمَظْلَمَة فِي عَقْلِهِمْ عَنْهُ وَيَنْسُبَ إلَى نَفْسِهِ وَلاَءَ مَنْ لَمْ يُعْتِقْ، وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَبَيَّنَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ «إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» أَنَّهُ لاَ يَكُونُ الْوَلاَءُ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ، أَوَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ أَمَرَ ابْنَهُ أَنْ يَنْتَسِبَ إلَى غَيْرِهِ، أَوْ يَنْتَفِيَ مِنْ نَسَبِهِ وَتَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَنْقَطِعْ أُبُوَّتُهُ عَنْهُ بِمَا أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ‏؟‏ أَوَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ أَوْ يَنْتَفِي مِنْ وِلاَيَتِهِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمُعْتَقُ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِمَا أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ النِّعْمَةِ‏؟‏ فَلَمَّا كَانَ الْمَوْلَى فِي الْمَعْنَى الَّذِي فِيهِ النَّسَبُ ثَبَتَ الْوَلاَءُ بِمُتَقَدِّمِ الْمِنَّةِ كَمَا ثَبَتَ النَّسَبُ بِمُتَقَدِّمِ الْوِلاَدَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَبَدًا إلَّا بِسُنَّةٍ، أَوْ إجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَيْسَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى سُنَّةٌ، وَلاَ إجْمَاعٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَدْ حَضَرَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ الْحِجَازِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فَكَلَّمَنِي رَجُلٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِأَنْ قَالَ إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ فَلَهُ وَلاَؤُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلاَءُ نِعْمَةٍ وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ، وَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلاَئِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ، فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ، وَقَالَ لِي فَمَا حُجَّتُك فِي تَرْكِ هَذَا‏؟‏ قُلْت‏:‏ خِلاَفُهُ مَا حَكَيْت مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِمُتَقَدِّمِ الْوِلاَدِ كَمَا ثَبَتَ الْوَلاَءُ بِمُتَقَدِّمِ الْعِتْقِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الَّذِي يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ، فَكَانَ النَّسَبُ شَبِيهًا بِالْوَلاَءِ وَالْوَلاَءُ شَبِيهًا بِالنَّسَبِ، فَقَالَ لِي قَائِلٌ‏:‏ إنَّمَا ذَهَبْت فِي هَذَا إلَى حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ مَوْهَبٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قُلْت لاَ يَثْبُتُ، قَالَ‏:‏ أَفَرَأَيْت إذَا كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتًا أَيَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا رَوَيْت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» قُلْت‏:‏ لاَ، قَالَ‏:‏ فَكَيْفَ تَقُولُ‏؟‏ قُلْت‏:‏ أَقُولُ‏:‏ إنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» «وَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ»، وَقَوْلُهُ‏:‏ «الْوَلاَءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لاَ يُبَاعُ، وَلاَ يُوهَبُ» فِيمَنْ أَعْتَقَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ نَسَبٌ وَالنَّسَبُ لاَ يُحَوَّلُ، وَاَلَّذِي يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ لَيْسَ هُوَ الْمَنْهِيُّ أَنْ يُحَوَّلَ، وَلاَؤُهُ، قَالَ‏:‏ فَبِهَذَا قُلْنَا، فَمَا مَنَعَك مِنْهُ إذَا كَانَ الْحَدِيثَانِ مُحْتَمِلَيْنِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ‏؟‏ قُلْت‏:‏ مَنَعَنِي أَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ، إنَّمَا يَرْوِيه عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ مَوْهَبٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَابْنُ مَوْهَبٍ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ عِنْدَنَا، وَلاَ نَعْلَمُهُ لَقِيَ تَمِيمًا، وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَثْبُتُ عِنْدَنَا، وَلاَ عِنْدَك مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَلاَ نَعْلَمُهُ مُتَّصِلاً، قَالَ‏:‏ فَإِنَّ مِنْ حُجَّتِنَا أَنَّ عُمَرَ قَالَ‏:‏ فِي الْمَنْبُوذِ هُوَ حُرٌّ وَلَك، وَلاَؤُهُ، يَعْنِي لِلَّذِي الْتَقَطَهُ، قُلْت‏:‏ وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ حُجَّةٌ عَلَيْك؛ لِأَنَّك تُخَالِفُهُ، قَالَ‏:‏ وَمِنْ أَيْنَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ لاَ يُوَالِي عَنْ الرَّجُلِ إلَّا نَفْسَهُ بَعْدَ أَنْ يَعْقِلَ، وَأَنَّ لَهُ إذَا وَالَى عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلاَئِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ، فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ مُوَالاَةَ عُمَرَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ، فَهَلْ لِوَصِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُوَالِيَ عَنْهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، قُلْت‏:‏ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ ذَلِكَ لِلْوَالِي دُونَ الْوَصِيِّ، فَهَلْ وَجَدْته يَجُوزُ لِلْوَالِي شَيْءٌ فِي الْيَتِيمِ لاَ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ‏؟‏ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مِنْ عُمَرَ وَالْحُكْمُ لاَ يَجُوزُ عِنْدَك عَلَى أَحَدٍ إلَّا بِشَيْءٍ يُلْزِمُهُ نَفْسَهُ، أَوْ فِيمَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِمَّا لاَ يُصْلِحُهُ غَيْرُهُ، وَلِلْيَتِيمِ بُدٌّ مِنْ الْوَلاَءِ‏.‏ فَإِنْ قُلْت‏:‏ هُوَ حُكْمٌ فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إذَا عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ عَقْدًا مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ، وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إنْ عَقَدَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ‏؟‏ قَالَ فَإِنْ قُلْت‏:‏ هُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت‏:‏ وَنُعَارِضُك بِمَا هُوَ أَثْبَتُ عَنْ مَيْمُونَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ‏:‏ وَمَا هُوَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ وَهَبَتْ مَيْمُونَةُ، وَلاَءَ بَنِي يَسَارٍ لِابْنِ أُخْتِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَاتَّهَبَهُ، فَهَذِهِ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَهُمَا اثْنَانِ، قَالَ‏:‏ فَلاَ يَكُونُ فِي أَحَدٍ، وَلَوْ كَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ، قُلْنَا‏:‏ فَكَيْفَ احْتَجَجْت بِأَحَدٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ هَكَذَا يَقُولُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قُلْت‏:‏ أَبَيْت أَنْ تَقْبَلَ هَذَا مِنْ غَيْرِك، فَقَالَ‏:‏ مَنْ حَضَرَنَا مِنْ الْمَدَنِيِّينَ هَذِهِ حُجَّةٌ ثَابِتَةٌ، قَالَ فَأَنْتُمْ إنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَهَا ثَابِتَةً، فَقَدْ تُخَالِفُونَهَا فِي شَيْءٍ قَالُوا مَا نُخَالِفُهَا فِي شَيْءٍ، وَمَا نَزْعُمُ أَنَّ الْوَلاَءَ يَكُونُ إلَّا لِذِي نِعْمَةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ لِي قَائِلٌ أَعْتَقِدُ عَنْهُمْ جَوَابُهُمْ، فَأَزْعُمُ أَنَّ لِلسَّائِبَةِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ، قُلْت‏:‏ لاَ يَجُوزُ هَذَا إذَا كَانَ مَنْ احْتَجَجْنَا بِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ أَمْرٌ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَنُخْرِجُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُعْتَقِينَ اتِّبَاعًا، قَالَ‏:‏ فَهُمْ يَرْوُونَ أَنَّ حَاطِبًا أَعْتَقَ سَائِبَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ قُلْنَا وَنَحْنُ‏:‏ لاَ نَمْنَعُ أَحَدًا أَنْ يُعْتِقَ سَائِبَةً‏.‏ فَهَلْ رَوَيْت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ وَلاَءُ السَّائِبَةِ إلَيْهِ يُوَالِي مَنْ شَاءَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، قُلْت‏:‏ فَدَاخِلٌ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُعْتَقِينَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، قُلْت‏:‏ أَفَيَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ، وَهُوَ مُعْتَقٌ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْوَلاَءُ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَإِنَّهُمْ يَرْوُونَ أَنَّ رَجُلاً قَتَلَ سَائِبَةً فَقَضَى عُمَرُ بِعَقْلِهِ عَلَى الْقَاتِلِ فَقَالَ‏:‏ أَبُو الْقَاتِلِ أَرَأَيْت لَوْ قَتَلَ ابْنِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ إذًا لاَ يَغْرَمُ، قَالَ‏:‏ فَهُوَ إذًا مِثْلُ الْأَرْقَمِ، قَالَ‏:‏ عُمَرُ فَهُوَ مِثْلُ الْأَرْقَمِ، فَاسْتَدَلُّوا بِأُمِّهِ لَوْ كَانَتْ لَهُ عَاقِلَةٌ بِالْوَلاَءِ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى عَاقِلَتِهِ‏؟‏ قُلْت فَأَنْتَ إنْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا عَنْ عُمَرَ مَحْجُوجٌ بِهِ، قَالَ‏:‏ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ تَزْعُمُ أَنَّ وَلاَءَ السَّائِبَةِ لِمَنْ أَعْتَقَهُ، قَالَ‏:‏ فَأَعْفِنِي مِنْ ذَا فَإِنَّمَا أَقُومُ لَهُمْ بِقَوْلِهِمْ‏.‏ قُلْت‏:‏ فَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ لاَ وَلاَءَ لَهُ مِنْ لَقِيطٍ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا قَضَى بِعَقْلِهِ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ لَهُمْ مِيرَاثَهُ، وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَقْضِ بِعَقْلِهِ عَلَى أَحَدٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهَكَذَا يَقُولُ جَمِيعُ الْمُفْتِينَ‏.‏ قُلْت‏:‏ أَفَيَجُوزُ لِجَمِيعِ الْمُفْتِينَ أَنْ يُخَالِفُوا عُمَرَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ هُوَ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ لَيْسَ بِثَابِتٍ‏.‏ قُلْت‏:‏ فَكَيْفَ احْتَجَجْت بِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ أَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَهُ‏.‏ قُلْت‏:‏ فَبِئْسَ مَا قَضَيْت عَلَى مَنْ قُمْت بِحُجَّتِهِ إذَا كَانَ احْتَجَّ بِغَيْرِ حُجَّةٍ عِنْدَك، قَالَ‏:‏ فَعِنْدَك فِي السَّائِبَةِ شَيْءٌ مُخَالِفٌ لِهَذَا‏؟‏ قُلْت‏:‏ إنْ قَبِلْت الْخَبَرَ الْمُنْقَطِعَ فَنَعَمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ طَارِقَ بْنَ الْمُرَقَّعِ أَعْتَقَ أَهْلَ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ سَوَائِبَ فانقلعوا عَنْ بِضْعَةَ عَشْرَ أَلْفًا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَمَرَ أَنْ تُدْفَعَ إلَى طَارِقٍ، أَوْ إلَى وَرَثَةِ طَارِقٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَهَذَا إنْ كَانَ ثَابِتًا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ عُمَرَ يُثْبِتُ وَلاَءَ السَّائِبَةِ لِمَنْ سَيَّبَهُ‏.‏ وَهَذَا مَعْرُوفٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله تعالى عنه فِي تِرْكَةِ سَالِمٍ الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْطَى فَضْلَ مِيرَاثِهِ عَمْرَةَ بِنْتَ يعار الْأَنْصَارِيَّةَ وَكَانَتْ أَعْتَقَتْهُ سَائِبَةً‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فِي السَّائِبَةِ شَبِيهًا بِمَعْنَى ذَلِكَ فِيمَا أَظُنُّ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَهَلْ عِنْدَك حُجَّةٌ تُفَرِّقُ بَيْنَ السَّائِبَةِ وَبَيْنَ الَّذِي يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ غَيْرُ الْحَدِيثِ الْمُنْقَطِعِ قُلْت‏:‏ نَعَمْ مِنْ الْقِيَاسِ‏.‏ قَالَ‏:‏ مَا هُوَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ إنَّ الَّذِي يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ وَيَنْتَقِلُ بِوَلاَئِهِ إلَى مَوْضِعٍ إنَّمَا ذَلِكَ بِرِضَا الْمُنْتَسِبِ وَالْمَنْسُوبِ إلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِغَيْرِ رِضَا مَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ، وَإِنَّ السَّائِبَةَ يَقَعُ الْعِتْقُ عَلَيْهِ بِلاَ رِضًى مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْهُ، وَلَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ هُوَ وَمُعْتِقُهُ، وَإِنَّهُ مِمَّنْ يَقَعُ عَلَيْهِ عِتْقُ الْمُعْتِقِ مَعَ دُخُولِهِ فِي جُمْلَةِ الْمُعْتَقِينَ‏.‏

كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْحَرُونَ الْبَحِيرَةَ وَيُسَيِّبُونَ السَّائِبَةَ وَيُوصِلُونَ الْوَصِيلَةَ وَيَعْفُونَ الْحَامِيَ وَهَذِهِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ‏.‏

فَكَانُوا يَقُولُونَ فِي الْحَامِي إذَا ضَرَبَ فِي إبِلِ الرَّجُلِ عَشْرَ سِنِينَ وَقِيلَ‏:‏ نَتَجَ لَهُ عَشَرَةُ حَامٍ أَيْ حَمَى ظَهْرَهُ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُرْكَبَ‏.‏

وَيَقُولُونَ فِي الْوَصِيلَةِ وَهِيَ مِنْ الْغَنَمِ إذَا وَصَلَتْ بُطُونًا تُومًا وَنَتَجَ نِتَاجُهَا فَكَانُوا يَمْنَعُونَهَا مِمَّا يَفْعَلُونَ بِغَيْرِهَا مِثْلَهَا، وَيُسَيِّبُونَ السَّائِبَةَ‏.‏ فَيَقُولُونَ قَدْ أَعْتَقْنَاك سَائِبَةً وَلاَ وَلاَءَ لَنَا عَلَيْك، وَلاَ مِيرَاثَ يَرْجِعُ مِنْك لِيَكُونَ أَكْمَلَ لَتَبَرُّرِنَا فِيك‏.‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بِحِيرَةِ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ‏}‏ الْآيَةُ فَرَدَّ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَنَمَ إلَى مَالِكِهَا إذَا كَانَ الْعِتْقُ مَنْ لاَ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْآدَمِيِّينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّهُ أَعْتَقَ بَعِيرَهُ لَمْ يُمْنَعْ بِالْعِتْقِ مِنْهُ إذَا حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُرَدَّ إلَيْهِ ذَلِكَ وَيُبْطِلُ الشَّرْطَ فِيهِ‏.‏ فَكَذَلِكَ أَبْطَلَ الشُّرُوطَ فِي السَّائِبَةِ وَرَدَّهُ إلَى، وَلاَءِ مَنْ أَعْتَقَهُ مَعَ الْجُمْلَةِ الَّتِي وَصَفْنَا لَك‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدَ الْعَزِيزِ أَخْبَرَاهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي خِلاَفَتِهِ فِي سَائِبَةٍ مَاتَ أَنْ يَدْفَعَ مِيرَاثَهُ إلَى الَّذِي أَعْتَقَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ كَانَتْ الْكِفَايَةُ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ فَمَا تَقُولُ فِي النَّصْرَانِيِّ يَعْتِقُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ فَهُوَ حُرٌّ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلِمَنْ وَلاَؤُهُ‏؟‏ قُلْت‏:‏ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَمَا الْحُجَّةُ فِيهِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ مَا وَصَفْت لَك إذْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَسَبَ كَافِرًا إلَى مُسْلِمٍ وَمُسْلِمًا إلَى كَافِرٍ وَالنَّسَبُ أَعْظَمُ مِنْ الْوَلاَءِ‏.‏ قَالَ‏:‏ النَّصْرَانِيُّ لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمَ، قُلْت‏:‏ وَكَذَلِكَ الْأَبُ لاَ يَرِثُ ابْنَهُ إذَا اخْتَلَفَ أَدْيَانُهُمَا وَلَيْسَ مَنْعُهُ مِيرَاثَهُ بِاَلَّذِي قَطَعَ نَسَبَهُ مِنْهُ هُوَ ابْنُهُ بِحَالِهِ إذْ كَانَ ثَمَّ مُتَقَدِّمُ الْأُبُوَّةِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ مَوْلاَهُ بِحَالِهِ إذْ كَانَ ثَمَّ مُتَقَدِّمُ الْعِتْقِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ‏؟‏ قُلْت‏:‏ يَرِثُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ‏؟‏ قُلْت‏:‏ فَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتَقِ ذَوُو رَحِمٍ مُسْلِمُونَ فَيَرِثُونَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِي هَذَا‏؟‏ وَلِمَ إذًا دَفَعْت الَّذِي أَعْتَقَهُ عَنْ مِيرَاثِهِ تُوَرِّثُ بِهِ غَيْرَهُ إذْ لَمْ يَرِثْ هُوَ فَغَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ لاَ يَرِثَ بِقَرَابَتِهِ مِنْهُ‏؟‏ قُلْت هَذَا مِنْ شُبَهِكَ، قَالَ‏:‏ فَأَوْجِدْنِي الْحُجَّةَ فِيمَا قُلْت‏:‏‏؟‏ قُلْت‏:‏ أَرَأَيْت الِابْنَ إذَا كَانَ مُسْلِمًا فَمَاتَ وَأَبُوهُ كَافِرٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ يَرِثُهُ قُلْت‏:‏ فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ، أَوْ أَعْمَامٌ، أَوْ بَنُو عَمٍّ مُسْلِمُونَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يَرِثُونَهُ، قُلْت وَبِسَبَبِ مَنْ وَرِثُوهُ‏؟‏ قُلْت‏:‏ بِقَرَابَتِهِمْ مِنْ الْأَبِ، قُلْت‏:‏ فَقَدْ مَنَعْت الْأَبَ مِنْ الْمِيرَاثِ وَأَعْطَيْتهمْ بِسَبَبِهِ، قَالَ إنَّمَا مَنَعْته بِالدِّينِ فَجَعَلَتْهُ إذَا خَالَفَ دِينَهُ كَأَنَّهُ مَيِّتٌ وَوَرَثَتُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَى دِينِهِ قُلْت‏:‏ فَمَا مَنَعْنَا مِنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ فِي النَّصْرَانِيِّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ هِيَ لَك وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَا مَعَك، وَلَكِنَّا احْتَجَجْنَا لِمَنْ خَالَفَك مِنْ أَصْحَابِك، قُلْت‏:‏ أَوَرَأَيْت فِيمَا احْتَجَجْت بِهِ حُجَّةً‏؟‏ قَالَ لاَ وَقَالَ‏:‏ أَرَأَيْت إذَا مَاتَ رَجُلٌ، وَلاَ وَلاَءَ لَهُ‏؟‏ قُلْت‏:‏ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، قَالَ‏:‏ بِأَنَّهُمْ مَوَالِيهِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ لاَ، وَلاَ يَكُونُ الْمَوْلَى إلَّا مُعْتِقًا، وَهَذَا غَيْرُ مُعَتِّقٍ، قَالَ‏:‏ فَإِذَا لَمْ تُوَرِّثْهُمْ بِأَنَّهُمْ مَوَالٍ وَلَيْسُوا بِذَوِي نَسَبٍ فَكَيْفَ أَعْطَيْتهمْ مَالَهُ‏؟‏ قُلْت‏:‏ لَمْ أُعْطِهِمُوهُ مِيرَاثًا، وَلَوْ أَعْطَيْتهُمُوهُ مِيرَاثًا وَجَبَ عَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَهُ مَنْ عَلَى الْأَرْضِ حِينَ يَمُوتُ كَمَا أَجْعَلُهُ لَوْ كَانُوا مَعًا أَعْتَقُوهُ، وَأَنَا وَأَنْتَ إنَّمَا نُصَيِّرُهُ لِلْمُسْلِمِينَ يُوضَعُ مِنْهُمْ فِي خَاصَّةٍ وَالْمَالُ الْمَوْرُوثُ لاَ يُوضَعُ فِي خَاصَّةٍ فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْك لَوْ زَعَمْت بِأَنَّهُ وَرِثَ بِالْوَلاَءِ هَذَا وَأَنْ تَقُولَ اُنْظُرْ الْيَوْمَ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ فَأَثْبَتَ، وَلاَءَهُ لِجَمَاعَةِ مَنْ كَانَ حَيًّا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فَيَرِثُهُ وَرَثَةُ أُولَئِكَ الْأَحْيَاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَيَدْخُلُ عَلَيْك فِي النَّصْرَانِيِّ يَمُوتُ، وَلاَ وَارِثَ لَهُ فَتَجْعَلُ مَالَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» قَالَ‏:‏ فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُعْطِي الْمُسْلِمِينَ مِيرَاثَ مَنْ لاَ نَسَبَ لَهُ، وَلاَ وَلاَءَ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمِيرَاثُ النَّصْرَانِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ، وَلاَ وَلاَءٌ‏؟‏ قُلْت‏:‏ بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ فَخَوَّلَهُمْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا قَدَرُوا عَلَيْهَا وَمِنْ كُلِّ مَالٍ لاَ مَالِكَ لَهُ يُعْرَفُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ مِثْلَ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ فَلَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحْيُوهَا، فَلَمَّا كَانَ هَذَانِ الْمَالاَنِ لاَ مَالِكَ لَهُمَا يُعْرَفُ خَوَّلَهُمَا اللَّهُ أَهْلَ دَيْنِ اللَّهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

الرَّدُّ فِي الْمَوَارِيثِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فَرِيضَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مَا جَاءَ عَنْ السَّلَفِ انْتَهَيْنَا بِهِ إلَى فَرِيضَتِهِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلَيْنَا شَيْئَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ لاَ نَنْقُصَهُ مِمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَالْآخَرُ‏:‏ أَنْ لاَ نَزِيدَهُ عَلَيْهِ وَالِانْتِهَاءُ إلَى حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَكَذَا وَقَالَ‏:‏ بَعْضُ النَّاسِ نَرُدُّهُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِ مَنْ يَسْتَغْرِقُهُ وَكَانَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَأَنْ لاَ نَرُدَّهُ عَلَى زَوْجٍ، وَلاَ زَوْجَةٍ وَقَالُوا رَوَيْنَا قَوْلَنَا هَذَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا‏:‏ لَهُمْ أَنْتُمْ تَتْرُكُونَ مَا تَرْوُونَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي أَكْثَرِ الْفَرَائِضِ لِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَكَيْفَ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا تَتْرُكُونَ‏؟‏ قَالُوا إنَّا سَمِعْنَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ‏}‏ فَقُلْنَا مَعْنَاهَا عَلَى غَيْرِ مَا ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ كُنْتُمْ قَدْ تَرَكْتُمُوهُ قَالُوا فَمَا مَعْنَاهَا‏؟‏ قُلْنَا تَوَارَثَ النَّاسُ بِالْحِلْفِ وَالنُّصْرَةِ ثُمَّ تَوَارَثُوا بِالْإِسْلاَمِ وَالْهِجْرَةِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فَنَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ‏}‏ عَلَى مَعْنَى مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ وَسَنَّ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ مُطْلَقًا هَكَذَا‏.‏

أَلاَ تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ يَرِثُ أَكْثَرَ مِمَّا يَرِثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ، وَلاَ رَحِمَ لَهُ، أَوَلاَ تَرَى أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ الْبَعِيدَ يَرِثُ الْمَالَ كُلَّهُ، وَلاَ يَرِثُهُ الْخَالُ وَالْخَالُ أَقْرَبُ رَحِمًا مِنْهُ فَإِنَّمَا مَعْنَاهَا عَلَى مَا وَصَفْت لَك مِنْ أَنَّهَا عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُمْ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ‏:‏ إنَّ النَّاسَ يَتَوَارَثُونَ بِالرَّحِمِ وَتَقُولُونَ خِلاَفَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ تَزْعُمُونَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ أَخْوَالَهُ وَمَوَالِيَهُ فَمَالُهُ لِمَوَالِيهِ دُونَ أَخْوَالِهِ، فَقَدْ مَنَعْت ذَوِي الْأَرْحَامِ الَّذِينَ قَدْ تُعْطِيهِمْ فِي حَالٍ وَأَعْطَيْت الْمَوْلَى الَّذِي لاَ رَحِمَ لَهُ الْمَالَ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَمَا حَجَّتُك فِي أَنْ لاَ تُرَدَّ الْمَوَارِيثَ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ مَا وَصَفْت لَك مِنْ الِانْتِهَاءِ إلَى حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْ لاَ أَزِيدَ ذَا سَهْمٍ عَلَى سَهْمِهِ، وَلاَ أَنْقُصُهُ قَالَ‏:‏ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ تُثْبِتهُ سِوَى هَذَا‏؟‏ قُلْت‏:‏ نَعَمْ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏}‏ فَذَكَرَ الْأَخَ وَالْأُخْتَ مُنْفَرِدَيْنِ فَانْتَهَى بِالْأُخْتِ إلَى النِّصْفِ وَبِالْأَخِ إلَى الْكُلِّ وَذَكَرَ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مُجْتَمَعِينَ فَحَكَمَ بَيْنَهُمْ مِثْلَ حُكْمِهِ بَيْنَهُمْ مُنْفَرِدِينَ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏}‏ فَجَعَلَهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْهُ فِي كُلِّ حَالٍ، فَمَنْ قَالَ بِرَدِّ الْمَوَارِيثِ قَالَ‏:‏ أُوَرِّثُ الْأُخْتَ الْمَالَ كُلَّهُ فَخَالَفَ قَوْلُهُ الْحُكْمَيْنِ مَعًا‏.‏

قُلْت‏:‏ فَإِنْ قُلْتُمْ نُعْطِيهَا النِّصْفَ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَرُدُّ عَلَيْهَا النِّصْفَ لاَ مِيرَاثًا‏.‏ قُلْنَا بِأَيِّ شَيْءٍ تَرُدُّهُ عَلَيْهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَا نَرُدُّهُ أَبَدًا إلَّا مِيرَاثًا أَوْ يَكُونُ مَالاً حُكْمُهُ إلَى الْوُلاَةِ فَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ الْوُلاَةُ بِمُخَيَّرِينَ، وَعَلَى الْوُلاَةِ أَنْ يَجْعَلُوهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانُوا فِيهِ مُخَيَّرِينَ كَانَ لِلْوَالِي أَنْ يُعْطِيَهُ مَنْ شَاءَ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ‏.‏

باب مِيرَاثِ الْجَدّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَقُلْنَا إذَا وَرِثَ الْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ قَاسَمَهُمْ مَا كَانَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِذَا كَانَ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ مِنْهَا أُعْطِيهِ، وَهَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَنْهُ قَبِلْنَا أَكْثَرُ الْفَرَائِضِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا قَالاَ فِيهِ مِثْلَ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ فُقَهَاءِ الْبُلْدَانِ، وَقَدْ خَالَفْنَا بَعْضَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ الْجَدُّ أَبٌ، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ أَبُو بَكْرٍ وَعَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه‏.‏ إنَّهُ أَبٌ إذَا كَانَ مَعَهُ الْإِخْوَةُ طُرِحُوا وَكَانَ الْمَالُ لِلْجَدِّ دُونَهُمْ، وَقَدْ زَعَمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اخْتَلَفُوا لَمْ نَصِرْ إلَى قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ قَوْلِ الْآخَرِ إلَّا بِالتَّثَبُّتِ مَعَ الْحُجَّةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِلسُّنَّةِ وَهَكَذَا نَقُولُ وَإِلَى الْحُجَّةِ ذَهَبْنَا فِي قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمَنْ قَالَ قَوْلَهُ‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الْحُجَّةَ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ الْجَدُّ أَبٌ لِخِصَالٍ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ‏:‏ «يَا بَنِي آدَمَ» وَقَالَ‏:‏ «مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ» فَأَقَامَ الْجَدَّ فِي النَّسَبِ أَبًا وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنْ لَمْ يُنْقِصُوهُ مِنْ السُّدُسِ، وَهَذَا حُكْمُهُمْ لِلْأَبِ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ حَجَبُوا بِالْجَدِّ الْأَخَ لِلْأُمِّ وَهَكَذَا حُكْمُهُمْ فِي الْأَبِ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ أَحْكَامِهِ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ وَأَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحْكَامِهِ وَحُكْمِ الْأَبِ فِيمَا سِوَاهَا قُلْنَا إنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَ أَحْكَامِهِ فِيهَا قِيَاسًا مِنْهُمْ لِلْجَدِّ عَلَى الْأَبِ قَالُوا وَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ‏؟‏ قُلْنَا أَرَأَيْتُمْ الْجَدَّ لَوْ كَانَ إنَّمَا يَرِثُ بِاسْمِ الْأُبُوَّةِ هَلْ كَانَ اسْمُ الْأُبُوَّةِ يُفَارِقُهُ لَوْ كَانَ دُونَهُ أَبٌ، أَوْ يُفَارِقُهُ لَوْ كَانَ قَاتِلاً أَوْ مَمْلُوكًا، أَوْ كَافِرًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْنَا، فَقَدْ نَجِدُ اسْمَ الْأُبُوَّةِ يَلْزَمُهُ، وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا وَرَّثْنَاهُ بِالْخَبَرِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دُونَ بَعْضٍ لاَ بِاسْمِ الْأُبُوَّةِ قَالَ‏:‏ فَإِنَّهُمْ لاَ يُنْقِصُونَهُ مِنْ السُّدُسِ وَذَلِكَ حُكْمُ الْأَبِ قُلْنَا وَنَحْنُ لاَ نَنْقُصُ الْجَدَّةَ مِنْ السُّدُسِ أَفَتَرَى ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْأَبِ فَتَقِفُهَا مَوْقِفَ الْأَبِ فَتَحْجُبُ بِهَا الْإِخْوَةُ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ لاَ وَلَكِنْ قَدْ حَجَبْتُمْ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأُمِّ بِالْجَدِّ كَمَا حَجَبْتُمُوهُمْ بِالْأَبِ قُلْنَا نَعَمْ قُلْنَا هَذَا خَبَرًا لاَ قِيَاسًا، أَلاَ تَرَى أَنَّا نُحَجِّبُهُمْ بِابْنَةِ ابْنٍ مُتَسَفِّلَةٍ، وَلاَ نَحْكُمُ لَهَا بِحُكْمِ الْأَبِ‏.‏

وَهَذَا يُبَيِّنُ لَكُمْ أَنَّ الْفَرَائِضَ تَجْتَمِعُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ قَالُوا وَكَيْفَ لَمْ تَجْعَلُوا أَبَا الْأَبِ كَالْأَبِ كَمَا جَعَلْتُمْ ابْنَ الِابْنِ كَالِابْنِ‏؟‏ قُلْنَا لِاخْتِلاَفِ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا الْأَبْنَاءَ أَوْلَى بِكَثْرَةِ الْمَوَارِيثِ مِنْ الْآبَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَتْرُكُ أَبَاهُ وَابْنَهُ فَيَكُونُ لِابْنِهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَلِأَبِيهِ السُّدُسُ وَيَكُونُ لَهُ بَنُونَ يَرِثُونَهُ مَعًا، وَلاَ يَكُونُ أَبَوَانِ يَرِثَانِهِ مَعًا، وَقَدْ نُوَرِّثُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ الْأُخْتَ، وَلاَ نُوَرِّثُ ابْنَتَهَا أَوْ نُوَرِّثُ الْأُمَّ، وَلاَ نُوَرِّثُ ابْنَتَهَا إذَا كَانَ دُونَهَا غَيْرَهَا، وَإِنْ وَرَّثْنَاهَا لَمْ نُوَرِّثْهَا قِيَاسًا عَلَى أُمِّهَا، وَإِنَّمَا وَرَّثْنَاهَا خَبَرًا لاَ قِيَاسًا قَالَ‏:‏ فَمَا حُجَّتُكُمْ فِي أَنْ أَثْبَتُّمْ فَرَائِضَ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ‏؟‏ قُلْنَا مَا وَصَفْنَا مِنْ الِاتِّبَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالُوا وَمَا غَيْرُ ذَلِكَ‏؟‏ قُلْنَا أَرَأَيْت رَجُلاً مَاتَ وَتَرَكَ أَخَاهُ وَجَدَّهُ هَلْ يُدْلِي وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى الْمَيِّتِ بِقَرَابَةِ نَفْسِهِ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ لاَ، قُلْنَا‏:‏ أَلَيْسَ إنَّمَا يَقُولُ أَخُوهُ أَنَا ابْنُ أَبِيهِ وَيَقُولُ جَدُّهُ أَنَا أَبُو أَبِيهِ وَكِلاَهُمَا يَطْلُبُ مِيرَاثَهُ لِمَكَانِهِ مِنْ أَبِيهِ‏؟‏ قَالُوا بَلَى قُلْنَا أَفَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ أَبُوهُ الْمَيِّتَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَيُّهُمَا أَوْلَى بِمِيرَاثِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يَكُونُ لِابْنِهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ وَلِأَبِيهِ السُّدُسُ قُلْنَا، وَإِذَا كَانَا جَمِيعًا إنَّمَا يُدْلِيَانِ بِالْأَبِ فَابْنُ الْأَبِ أَوْلَى بِكَثْرَةِ مِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُحْجَبَ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْأَبِ الَّذِي يُدْلِيَانِ بِقَرَابَتِهِ بِاَلَّذِي هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ مِيرَاثُ الْإِخْوَةِ ثَابِتٌ فِي الْقُرْآنِ‏.‏

وَلاَ فَرْضَ لِلْجَدِّ فِيهِ فَهُوَ أَقْوَى فِي الْقُرْآنِ وَالْقِيَاسِ فِي ثُبُوتِ الْمِيرَاثِ قَالَ‏:‏ فَكَيْفَ جَعَلْتُمْ الْجَدَّ إذَا كَثُرَ الْإِخْوَةُ أَكْثَرَ مِيرَاثًا مِنْ أَحَدِهِمْ‏؟‏ قُلْنَا خَبَرًا، وَلَوْ كَانَ مِيرَاثُهُ قِيَاسًا جَعَلْنَاهُ أَبَدًا مَعَ الْوَاحِدِ وَأَكْثَرُ مِنْ الْإِخْوَةِ أَقَلُّ مِيرَاثًا فَنَظَرْنَا كُلَّ مَا صَارَ لِلْأَخِ مِيرَاثًا فَجَعَلْنَا لِلْأَخِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْجَدِّ سَهْمًا كَمَا وَرَّثْنَاهُمَا حِينَ مَاتَ ابْنُ الْجَدِّ أَبُو الِابْنِ قَالَ‏:‏ فَلِمَ لَمْ تَقُولُوا بِهَذَا‏؟‏ قُلْنَا لَمْ نَتَوَسَّعْ بِخِلاَفِ مَا رَوَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ بَعْضُهُمْ إلَى قَوْلِ بَعْضٍ فَنَكُونُ غَيْرَ خَارِجِينَ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ‏.‏

مِيرَاثُ وَلَدِ الْمُلاَعَنَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَقُلْنَا إذَا مَاتَ وَلَدُ الْمُلاَعَنَةِ وَوَلَدُ الزِّنَا وَرَّثْت أُمَّهُ حَقَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِخْوَتَهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَنَظَرْنَا مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَوْلاَةَ عَتَاقَةٍ كَانَ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا لِمَوَالِي أُمِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً أَوْ لاَ، وَلاَءَ لَهَا كَانَ مَا بَقِيَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ‏:‏ بَعْضُ النَّاسِ بِقَوْلِنَا فِيهَا إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ عَرَبِيَّةً أَوْ لاَ وَلاَءَ لَهَا رَدُّوا مَا بَقِيَ مِنْ مِيرَاثِهِ عَلَى عَصَبَةِ أُمِّهِ وَكَانَ عَصَبَةُ أُمِّهِ عَصَبَتَهُ وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِرِوَايَةٍ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ وَأُخْرَى لَيْسَتْ مِمَّا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ وَقَالُوا كَيْفَ لَمْ تَجْعَلُوا عَصَبَتَهُ عَصَبَةَ أُمِّهِ كَمَا جَعَلْتُمْ مَوَالِيَهُ مَوَالِيَ أُمِّهِ‏؟‏ قُلْنَا بِالْأَمْرِ الَّذِي لَمْ نَخْتَلِفْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي أَصْلِهِ ثُمَّ تَرَكْتُمْ قَوْلَكُمْ فِيهِ قُلْت‏:‏ أَرَأَيْتُمْ الْمَوْلاَةَ الْعَتِيقَةَ تَلِدُ مِنْ مَمْلُوكٍ، أَوْ مِمَّنْ لاَ يُعْرَفُ أَلَيْسَ يَكُونُ وَلاَءُ وَلَدِهَا تَبَعًا لِوَلاَئِهَا حَتَّى يَكُونُوا كَأَنَّهُمْ أُعْتِقُوا مَعًا مَا لَمْ يَجُرَّ أَبٌ وَلاَءَهُمْ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ بَلَى، قُلْنَا‏:‏ أَوْ يَعْقِلُ عَنْهُمْ مَوَالِيَ أُمِّهِمْ وَيَكُونُونَ أَوْلِيَاءَ فِي التَّزْوِيجِ لَهُمْ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ بَلَى، قُلْنَا‏:‏ فَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً فَتَكُونُ عَصَبَتُهَا عَصَبَةَ وَلَدِهَا فَيَعْقِلُونَ عَنْهُمْ وَيُزَوِّجُونَ بَنَاتِهِمْ قَالُوا‏:‏ لاَ، قُلْنَا‏:‏ فَإِذَا كَانَ مَوَالِي الْأُمِّ يَقُومُونَ مَقَامَ الْعَصَبَةِ فِي وَلَدِ مَوْلاَتِهِمْ وَكَانَ الْأَخْوَالُ لاَ يَقُومُونَ ذَلِكَ الْمَقَامَ فِي بَنِي أُخْتِهِمْ فَكَيْفَ أَنْكَرْت مَا قُلْنَا وَالْأَصْلُ الَّذِي ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَاحِدٌ‏؟‏

مِيرَاثُ الْمَجُوسِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَقُلْنَا‏:‏ إذَا أَسْلَمَ الْمَجُوسِيُّ وَابْنَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتُهُ، أَوْ أُخْتُهُ أُمُّهُ نَظَرْنَا إلَى أَعْظَمِ السَّبَبَيْنِ فَوَرَّثْنَاهَا بِهِ وَأَلْغَيْنَا الْآخَرَ وَأَعْظَمُهُمَا أَثْبَتُهُمَا بِكُلِّ حَالٍ، وَإِذَا كَانَتْ أُمٌّ أُخْتًا وَرَّثْنَاهَا بِأَنَّهَا أُمٌّ وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّ قَدْ تَثْبُتُ فِي كُلِّ حَالٍ وَالْأُخْتَ قَدْ تَزُولُ وَهَكَذَا جَمِيعُ فَرَائِضِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَنَازِلِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ أُوَرِّثُهَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ مَعَهَا فَقُلْنَا لَهُ أَرَأَيْت إذَا كَانَ مَعَهَا أُخْتٌ وَهِيَ أُخْتُ أُمٍّ‏؟‏ قَالَ أَحْجُبُهَا مِنْ الثُّلُثِ بِأَنَّ مَعَهَا أُخْتَيْنِ وَأُوَرِّثُهَا مِنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتٌ قُلْنَا أَرَأَيْت حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إذْ جَعَلَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ فِي حَالٍ وَنَقَصَهَا مِنْهُ بِدُخُولِ الْإِخْوَةِ عَلَيْهَا أَلَيْسَ إنَّمَا نَقَصَهَا بِغَيْرِهَا لاَ بِنَفْسِهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى بِغَيْرِهَا نَقَصَهَا فَقُلْنَا وَغَيْرُهَا خِلاَفُهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْنَا، فَإِذَا نَقَصْتهَا بِنَفْسِهَا أَفَلَيْسَ قَدْ نَقَصْتهَا بِخِلاَفِ مَا نَقَصَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ‏؟‏ وَقُلْنَا أَرَأَيْت إذَا كَانَتْ أُمًّا عَلَى الْكَمَالِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُعْطِيَهَا بِنَقْصِهَا دُونَ الْكَمَالِ وَتُعْطِيَهَا أُمًّا كَامِلَةً وَأُخْتًا كَامِلَةً وَهُمَا بَدَنَانِ، وَهَذَا بَدَنٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَقَدْ دَخَلَ عَلَيْك أَنْ عَطَّلْت أَحَدَ الْحَقَّيْنِ قُلْنَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى اسْتِعْمَالِهِمَا إلَّا بِخِلاَفِ الْكِتَابِ وَخِلاَفِ الْمَعْقُولِ لَمْ يَجُزْ إلَّا تَعْطِيلُ أَصْغَرِهِمَا لاَ أَكْبَرِهِمَا قَالَ‏:‏ فَهَلْ تَجِدُ عَلَيْنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ‏؟‏ قُلْنَا نَعَمْ قَدْ تَزْعُمُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ بِكَامِلِ الْحُرِّيَّةِ، وَلاَ رَقِيقٍ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ صَارَ إلَى حُكْمِ الْعَبِيدِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَرِثُ، وَلاَ يُورَثُ، وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَلاَ يُحَدُّ مَنْ قَذَفَهُ، وَلاَ يُحَدُّ هُوَ إلَّا حَدَّ الْعَبِيدِ فَتَعَطَّلَ مَوْضِعُ الْحُرِّيَّةِ مِنْهُ قَالَ‏:‏ إنِّي أَحْكُمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَقِيقٌ قُلْت‏:‏ أَفِي كُلِّ حَالٍ، أَوْ فِي بَعْضِ حَالٍ دُونَ بَعْضٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلْ فِي بَعْضِ حَالِهِ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنِّي لَوْ قُلْت‏:‏ لَك فِي كُلِّ حَالِهِ قُلْت لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَأْخُذَ مَالَهُ، قُلْت‏:‏ فَإِذَا كَانَ قَدْ اخْتَلَطَ أَمْرُهُ فَلَمْ يُمْحَضْ عَبْدًا، وَلَمْ يُمْحَضْ حُرًّا فَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ فِيهِ بِمَا رَوَيْته عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَيُحَدُّ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَيَرِثُ وَيُورَثُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ تَقُولُ بِهِ قُلْنَا وَتَصِيرُ عَلَى أَصْلِ أَحْكَامِهِ، وَهُوَ حُكْمُ الْعَبِيدِ فِيمَا نَزَلَ بِهِ وَتَمْنَعُهُ الْمِيرَاثَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْنَا فَكَيْفَ لَمْ تَجُزْ لَنَا فِي فَرْضِ الْمَجُوسِ مَا وَصَفْنَا‏؟‏ وَإِنَّمَا صَيَّرْنَا الْمَجُوسَ إلَى أَنْ أَعْطَيْنَاهُمْ بِأَكْثَرِ مَا يَسْتَوْجِبُونَ فَلَمْ نَمْنَعْهُمْ حَقًّا مِنْ وَجْهٍ إلَّا أَعْطَيْنَاهُمْ ذَلِكَ الْحَقَّ، أَوْ بَعْضَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَجَعَلْنَا الْحُكْمَ فِيهِمْ حُكْمًا وَاحِدًا مَعْقُولاً لاَ مُتَبَعِّضًا لاَ أَنَّا جَعَلْنَا بَدَنًا وَاحِدًا فِي حُكْمِ بَدَنَيْنِ‏.‏

مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا نَقُولُ فَكُلُّ مَنْ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلاَمِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَإِنْ ارْتَدَّ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ عَنْ الْإِسْلاَمِ لَمْ يَرِثْهُ الْمُسْلِمُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَطْعِ اللَّهِ الْوِلاَيَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، فَوَافَقْنَا بَعْضَ النَّاسِ عَلَى كُلِّ كَافِرٍ إلَّا الْمُرْتَدَّ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ قَالَ تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقُلْنَا فَيَعْدُو الْمُرْتَدُّ أَنْ يَكُونَ دَاخِلاً فِي مَعْنَى الْكَافِرِينَ، أَوْ يَكُونَ فِي أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ‏؟‏ فَإِنْ قُلْت‏:‏ هُوَ فِي بَعْضِ حُكْمِهِ فِي أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ، قُلْنَا أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فِي حُكْمٍ مُؤْمِنًا فِي غَيْرِهِ‏؟‏ فَيَقُولُ لَك غَيْرُك فَهُوَ كَافِرٌ حَيْثُ جَعَلْته مُؤْمِنًا وَمُؤْمِنٌ حَيْثُ جَعَلْته كَافِرًا، قَالَ‏:‏ لاَ، قُلْنَا أَفَلَيْسَ يَجُوزُ لَك مِنْ هَذَا شَيْءٌ إلَّا جَازَ عَلَيْك مِثْلُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَإِنَّا إنَّمَا صِرْنَا فِي هَذَا إلَى أَثَرٍ رَوَيْنَاهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَتَلَ الْمُسْتَوْرِدَ وَوَرَّثَ مِيرَاثَهُ وَرَثَتَهُ الْمُسْلِمِينَ قُلْنَا، فَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْكُمْ أَنَّهُ غَلَطٌ وَنَحْنُ نَجْعَلُهُ لَك ثَابِتًا أَفَرَأَيْت حُكْمَهُ فِي سِوَى الْمِيرَاثِ أَحُكْمُ مُشْرِكٍ، أَوْ مُسْلِمٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلْ حُكْمُ مُشْرِكٍ قُلْنَا فَإِنْ حَبَسْت الْمُرْتَدَّ لِقَتْلِهِ أَوْ لِتَسْتَتِيبَهُ فَمَاتَ ابْنٌ لَهُ مُسْلِمٌ أَيَرِثُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، قُلْنَا أَفَرَأَيْت أَحَدًا قَطُّ لاَ يَرِثُ وَلَدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَاتِلَهُ وَيَرِثُهُ وَلَدُهُ‏؟‏ إنَّمَا أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَوَارِيثَ لِلْأَبْنَاءِ مِنْ الْآبَاءِ حَيْثُ أَثْبَتَ الْمَوَارِيثَ لِلْآبَاءِ مِنْ الْأَبْنَاءِ وَقَطَعَ وِلاَيَةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ «لاَ يَرِثَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ خَارِجًا مِنْ مَعْنَى حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَحُكْمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ الْمُشْرِكِينَ بِالْأَثَرِ الَّذِي زَعَمْت لَزِمَك أَنْ تَكُونَ قَدْ خَالَفْت الْأَثَرَ؛ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه لَمْ يَمْنَعْهُ مِيرَاثَ وَلَدِهِ لَوْ مَاتُوا، وَهُوَ لَوْ وَرَّثَ وَلَدَهُ مِنْهُ انْبَغَى أَنْ يُوَرِّثَهُ وَلَدَهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَرِثُوهُ، وَلاَ يَرِثُهُمْ كَانَ فِي مِثْلِ مَعْنَى مَا حَكَمَ بِهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَقَالَ‏:‏ نَرِثُ الْمُشْرِكِينَ، وَلاَ يَرِثُونَا كَمَا تَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ، وَلاَ تَحِلُّ لَهُمْ نِسَاؤُنَا أَفَرَأَيْت إنْ احْتَجَّ عَلَيْك أَحَدٌ بِهَذَا مِنْ قَوْلِ مُعَاوِيَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ شَبِيهُهُ‏.‏

وَقَدْ قَالَهُ مُعَاوِيَةُ وَمُعَاذٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَ‏:‏ لَك إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَانَ يَحْكُمُ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَالنِّسَاءِ اللَّاتِي يَحْلِلْنَ لِلْمُسْلِمِينَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ لاَ نِسَاءِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَقَالَ‏:‏ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَلِمُعَاوِيَة وَلَهُمَا فِقْهٌ وَعِلْمٌ فَلِمَ لَمْ تُوَافِقْ قَوْلَهُمَا‏؟‏ وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ الْكُفَّارَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَأَتَّبِعُ مُعَاوِيَةَ وَمُعَاذًا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ فَأُوَرِّثُ الْمُسْلِمَ مِنْ الْكَافِرِ، وَلاَ أُوَرِّثُ الْكَافِرَ مِنْ الْمُسْلِمِ كَمَا أَقُولُ فِي نِكَاحِ نِسَائِهِمْ قَالَ‏:‏ لاَ يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ‏:‏ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» فَهَذَا عَلَى جَمِيعِ الْكُفَّارِ، قُلْنَا وَلِمَ لاَ تَسْتَدِلُّ بِقَوْلِ مَنْ سَمَّيْنَا مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ مُحْتَمَلٌ لَهُ‏؟‏ قَالَ إنَّهُ قَلَّ حَدِيثٌ إلَّا وَهُوَ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ وَالْأَحَادِيثُ عَلَى ظَاهِرِهَا لاَ تُحَالُ عَنْهُ إلَى مَعْنَى تَحْتَمِلُهُ إلَّا بِدَلاَلَةٍ عَمَّنْ حَدَّثَ عَنْهُ قُلْنَا، وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا حُجَّةً فِي أَنْ يَقُولَ بِمَعْنًى يَحْتَمِلُهُ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْنَا فَكُلُّ مَا قُلْت‏:‏ مِنْ هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْك فِي مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ، وَفِيمَا رَوَيْت عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقُلْنَا لاَ يُؤْخَذُ مَالُ الْمُرْتَدِّ عَنْهُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ كَانَ أَحَقَّ بِمَالِهِ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا ارْتَدَّ فَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ قَسَّمَ الْإِمَامُ مِيرَاثَهُ كَمَا يُقَسِّمُ مِيرَاثَ الْمَيِّتِ وَأَعْتَقَ أُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ وَمُدَبَّرِيهِ وَجَعَلَ دَيْنَهُ الْمُؤَجَّلَ حَالًّا وَأَعْطَى وَرَثَتَهُ مِيرَاثَهُ فَقِيلَ‏:‏ لَهُ عِبْت أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رضي الله تعالى عنهما حَكَمَا فِي دَارِ السُّنَّةِ وَالْهِجْرَةِ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ الَّذِي لاَ يُسْمَعُ لَهُ بِخَبَرٍ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ بِأَنْ تَتَرَبَّصَ امْرَأَتُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تُنْكَحُ فَقُلْت‏:‏ وَكَيْفَ نَحْكُمُ بِحُكْمِ الْوَفَاةِ عَلَى رَجُلٍ امْرَأَتُهُ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا‏؟‏ وَهُمْ لَمْ يَحْكُمُوا فِي مَالِهِ بِحُكْمِ الْحَيَاةِ إنَّمَا حَكَمُوا بِهِ لِمَعْنَى الضَّرَرِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَقَدْ نُفَرِّقُ نَحْنُ وَأَنْتَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الضَّرَرِ عَلَى الزَّوْجَةِ فَنَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنِّينًا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ صِرْت بِرَأْيِك إلَى أَنْ حَكَمْت عَلَى رَجُلٍ حَيٍّ لَوْ ارْتَدَّ بطرسس فَامْتَنَعَ بِمُسَلِّحَةِ الرُّومِ وَنَحْنُ نَرَى حَيَاتَهُ بِحُكْمِ الْمَوْتَى فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ خَالَفْت فِيهِ الْقُرْآنَ وَدَخَلْت فِي أَعْظَمِ مِنْ الَّذِي عِبْت‏.‏ وَخَالَفْت مَنْ عَلَيْك عِنْدَك اتِّبَاعُهُ فِيمَا عَرَفْت وَأَنْكَرْت‏.‏ قَالَ‏:‏ وَأَيْنَ الْقُرْآنُ الَّذِي خَالَفْت‏؟‏ قُلْت‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ جَلَّ وَعَزَّ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ‏}‏ فَإِنَّمَا نَقَلَ مِلْكَ الْمَوْتَى إلَى الْأَحْيَاءِ وَالْمَوْتَى خِلاَفُ الْأَحْيَاءِ، وَلَمْ يَنْقُلْ بِمِيرَاثٍ قَطُّ مِيرَاثَ حَيٍّ إلَى حَيٍّ فَنَقَلْت مِيرَاثَ الْحَيِّ إلَى الْحَيِّ، وَهُوَ خِلاَفُ حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِنِّي أَزْعُمُ أَنَّ رِدَّتَهُ وَلُحُوقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مِثْلُ مَوْتِهِ، قُلْت‏:‏ قَوْلُك هَذَا خَبَرٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَا فِيهِ خَبَرٌ، وَلَكِنِّي قُلْته قِيَاسًا‏.‏ قُلْت‏:‏ فَأَيْنَ الْقِيَاسُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَلاَ تَرَى أَنِّي لَوْ وَجَدْته فِي هَذِهِ الْحَالِ قَتَلْته فَكَانَ مَيِّتًا، قُلْت‏:‏ قَدْ عَلِمْت أَنَّك إذَا قَتَلْته مَاتَ فَأَنْتَ لَمْ تَقْتُلْهُ فَأَيْنَ الْقِيَاسُ‏؟‏ إنَّمَا قَتْلُهُ لَوْ أَمَتَّهُ فَأَنْتَ لَمْ تُمِتْهُ‏.‏ وَلَوْ كُنْت بِقَوْلِك لَوْ قَدَرْت عَلَيْهِ قَتَلْته كَالْقَاتِلِ لَهُ لَزِمَك إذَا رَجَعَ إلَى بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ الْمَيِّتَ فَتُنَفِّذُ عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى‏.‏ قَالَ‏:‏ مَا أَفْعَلُ وَكَيْفَ أَفْعَلُ، وَهُوَ حَيٌّ‏؟‏ قُلْت‏:‏ قَدْ فَعَلْت أَوَّلاً، وَهُوَ حَيٌّ ثُمَّ زَعَمْت أَنَّك إنْ حَكَمْت عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمَوْتَى فَرَجَعَ تَائِبًا وَأُمُّ وَلَدِهِ قَائِمَةٌ وَمُدَبَّرُهُ قَائِمٌ، وَفِي يَدِ غَرِيمِهِ مَالُهُ بِعَيْنِهِ الَّذِي دَفَعْته إلَيْهِ، وَهُوَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، وَفِي يَدِ أَبِيهِ مِيرَاثُهُ فَقَالَ‏:‏ لَك رُدَّ عَلَيَّ مَالِي، وَهَذَا غَرِيمِي يَقُولُ هَذَا مَالُك بِعَيْنِهِ لَمْ أُغَيِّرْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ لِي إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَهَذِهِ أُمُّ وَلَدِي وَمُدَبَّرِي بِأَعْيَانِهِمَا‏.‏ قَالَ‏:‏ لاَ أَرُدُّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ نَفَذَ فِيهِ، قُلْنَا فَكَيْفَ رَدَدْت عَلَيْهِ مَا فِي يَدَيْ وَارِثِهِ، وَقَدْ نَفَذَ لَهُ بِهِ الْحُكْمُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ هَذَا مَالُهُ بِعَيْنِهِ، قُلْنَا‏:‏ وَالْمَالُ الَّذِي فِي يَدِ غَرِيمِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرُهُ مَالُهُ بِعَيْنِهِ، فَكَيْفَ نَقَضْت الْحُكْمَ فِي بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ‏؟‏ هَلْ قُلْت‏:‏ هَذَا خَبَرًا، أَوْ قِيَاسًا قَالَ‏:‏ مَا قُلْته خَبَرًا، وَلَكِنْ قُلْته قِيَاسًا، قُلْنَا فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ قِسْته‏؟‏ قَالَ عَلَى أَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ يُصِيبُهَا أَهْلُ الْعَدْلِ، فَإِنْ تَابَ أَهْلُ الْبَغْيِ فَوَجَدُوا أَمْوَالَهُمْ بِأَعْيَانِهَا أَخَذُوهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدُوهَا بِأَعْيَانِهَا لَمْ يَغْرَمْهَا أَهْلُ الْعَدْلِ، وَكَذَلِكَ مَا أَصَابَ أَهْلُ الْعَدْلِ لِأَهْلِ الْبَغْيِ، قُلْنَا فَهَذَا وَجَدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَرَدَدْت بَعْضَهُ، وَلَمْ تَرْدُدْ بَعْضَهُ فَأَمَّا أَهْلُ الْعَدْلِ لَوْ أَصَابُوا لِأَهْلِ الْبَغْيِ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ مُدَبَّرَةً رَدَدْتُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِمَا وَقُلْت‏:‏ لاَ يَعْتِقَانِ، وَلاَ يَمْلِكُهُمَا غَيْرُ صَاحِبِهِمَا وَلَيْسَ هَكَذَا قُلْت‏:‏ فِي مَالِ الْمُرْتَدِّ‏.‏

مِيرَاثُ الْمُشْرِكَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قُلْنَا‏:‏ إنَّ الْمُشْرِكَةَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ مِنْ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَيُشْرِكُهُمْ بَنُو الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا سَقَطَ حُكْمُهُ صَارُوا بَنِي أُمٍّ مَعًا وَقَالَ‏:‏ بَعْضُ النَّاسِ مِثْلَ قَوْلِنَا إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا لاَ يُشْرِكُهُمْ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ وَاحْتَجُّوا عَلَيْنَا بِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلَنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُمْ فَقَالُوا اخْتَرْنَا قَوْلَ مَنْ قُلْنَا بِقَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ أَنَّا وَجَدْنَا بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ قَدْ يَكُونُونَ مَعَ بَنِي الْأُمِّ فَيَكُونُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ الثُّلُثَانِ وَلِلْجَمَاعَةِ مِنْ بَنِي الْأُمِّ الثُّلُثُ وَوَجَدْنَا بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ قَدْ يُشْرِكُهُمْ أَهْلُ الْفَرَائِضِ فَيَأْخُذُونَ أَقَلَّ مِمَّا يَأْخُذُ بَنُو الْأُمِّ فَلَمَّا وَجَدْنَاهُمْ مَرَّةً يَأْخُذُونَ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُونَ وَمَرَّةً أَقَلَّ مِمَّا يَأْخُذُونَ فَرَّقْنَا بَيْنَ حُكْمَيْهِمْ فَوَرَّثْنَا كُلًّا عَلَى حُكْمِهِ؛ لِأَنَّا وَإِنْ جَمَعَتْهُمْ الْأُمُّ لَمْ نُعْطِهِمْ دُونَ الْأَبِ، وَإِنْ أَعْطَيْنَاهُمْ بِالْأَبِ مَعَ الْأُمِّ فَرَّقْنَا بَيْنَ حُكْمَيْهِمْ فَقُلْنَا إنَّا إنَّمَا أَشْرَكْنَاهُمْ مَعَ بَنِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ جَمَعَتْهُمْ وَسَقَطَ حُكْمُ الْأَبِ، فَإِذَا سَقَطَ حُكْمُ الْأَبِ كَانَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ صَارَ لِلْأَبِ مَوْضِعٌ يَكُونُ لَهُ فِيهِ حُكْمٌ اسْتَعْمَلْنَاهُ قَلَّ نُصِيبُهُمْ، أَوْ كَثُرَ قَالَ‏:‏ فَهَلْ تَجِدُ مِثْلَ مَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُسْتَعْمِلاً فِي حَالٍ ثُمَّ تَأْتِي حَالٌ فَلاَ يَكُونُ مُسْتَعْمِلاً فِيهَا‏؟‏ قُلْنَا نَعَمْ، قَالَ‏:‏ وَمَا ذَاكَ‏؟‏ قُلْنَا مَا قُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ وَخَالَفْت فِيهِ صَاحِبَك مِنْ الزَّوْجِ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بَعْدَ ثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَحِلُّ لِلزَّوْجِ قَبْلَهُ وَيَكُونُ مُبْتَدِئًا لِنِكَاحِهَا وَتَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى ثَلاَثٍ، وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ وَاحِدَةٍ، أَوْ اثْنَتَيْنِ لَمْ يَهْدِمْ الْوَاحِدَ، وَلاَ الثِّنْتَيْنِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلاَثَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ مَعْنًى فِي إحْلاَلِ الْمَرْأَةِ هُدِمَ الطَّلاَقُ الَّذِي تَقَدَّمَهُ إذَا كَانَتْ لاَ تَحِلُّ إلَّا بِهِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى فِي الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ وَكَانَتْ تَحِلُّ لِزَوْجِهَا بِنِكَاحٍ قَبْلَ زَوْجٍ كَمَا كَانَتْ تَحِلُّ لَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى فَلَمْ نَسْتَعْمِلْهُ قَالَ‏:‏ إنَّا لَنَقُولُ هَذَا خَبَرًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قُلْت‏:‏ وَقِيَاسًا كَمَا وَصَفْنَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَ عُمَرُ فِيهِ غَيْرَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَهَلْ تَجِدُ لِي هَذَا فِي الْفَرَائِضِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ نَعَمْ الْأَبُ يَمُوتُ ابْنُهُ وَلِلِابْنِ إخْوَةٌ فَلاَ يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ، فَإِذَا كَانَ الْأَبُ قَاتِلاً وَرِثُوا، وَلَمْ يُوَرَّثْ الْأَبُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ حُكْمَ الْأَبِ قَدْ زَالَ وَمَا زَالَ حُكْمُهُ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَكُنْ فَلَمْ نَمْنَعْهُمْ الْمِيرَاثَ لَهُ إذَا صَارَ لاَ حُكْمَ لَهُ كَمَا مَنَعْنَاهُمْ بِهِ إذَا كَانَ لَهُ حُكْمٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مَمْلُوكًا قَالَ‏:‏ فَهَذَا لاَ يَرِثُ بِحَالٍ وَأُولَئِكَ يَرِثُونَ بِحَالٍ قُلْنَا‏:‏ أَوَلَيْسَ إنَّمَا نَنْظُرُ فِي الْمِيرَاثِ إلَى الْفَرِيضَةِ الَّتِي يُدْلُونَ فِيهَا بِحُقُوقِهِمْ لاَ نَنْظُرُ إلَى حَالِهِمْ قَبْلَهَا، وَلاَ بَعْدَهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَمَا تَعْنِي بِذَلِكَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَاتِلاً وَرِثَ، وَإِذَا صَارَ قَاتِلاً لَمْ يَرِثْ، وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فَمَاتَ ابْنُهُ لَمْ يَرِثْ، وَلَوْ عَتَقَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَرِثَ قَالَ‏:‏ هَذَا هَكَذَا‏؟‏ قُلْنَا فَنَظَرْنَا إلَى الْحَالِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ فِيهَا لِلْأَبِ حُكْمٌ فِي الْفَرِيضَةِ أَسْقَطْنَاهُ وَوَجَدْنَاهُمْ لاَ يَخْرُجُونَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا إلَى بَنِي الْأُمِّ‏.‏